دمشق-سانا
ناقشت المحاضرة التي ألقاها كريستوف فيسلينغ من جامعة كوتبوس الألمانية، تطور النسيج العمراني في المدن التاريخية، مستفيداً من خبرات إعادة إحياء المراكز التاريخية في مدن ألمانية مثل كوتبوس وشترالسوند، ومقارنتها بالواقع العمراني في دمشق وحلب، مع قراءة معمقة للبنية التاريخية لمدينة دمشق منذ العهد الروماني.
وكانت المحاضرة بعنوان “تطوير التراث العمراني والعمارة في السياق التاريخي”، حضرها أعضاء الهيئة التدريسية والطلاب والمهتمون بالهندسة المعمارية.
الحفاظ على الهيكل العمراني الأساسي للمدن القديمة

وأكد فيسلينغ أن الحفاظ على التراث العمراني يُعدُّ أساسياً لضمان استدامة المناطق التاريخية في الحاضر والمستقبل، مع أهمية الحفاظ على الهيكل العمراني الأساسي للمدن القديمة، مثل الأسواق والساحات والشوارع الرئيسية، مع دمج عمارة حديثة تراعي التغيرات المناخية والاجتماعية وتنسجم مع الهوية الثقافية للمدن التاريخية.
واستعرض فيسلينغ تجاربه في ألمانيا الشرقية، حيث تمت إعادة تأهيل مناطق تاريخية عبر إدخال مواد حديثة ومساحات خضراء وبنى تحتية مائية، بالإضافة إلى تحويل المباني الصناعية القديمة إلى مراكز ثقافية، مع المحافظة على الهوية التاريخية.
أهمية التكنولوجيا الرقمية في الترميم
وشدد فيسلينغ على دور التكنولوجيا الرقمية الحديثة في توثيق التراث العمراني وإدارة المشروعات الترميمية من خلال التصوير ثلاثي الأبعاد ونماذج البيانات المكانية المتقدمة، ما يتيح فهماً أعمق واتخاذ قرارات دقيقة وفعّالة للحفاظ على المواقع التراثية.
وأشار إلى أن التدريب المستمر للكوادر المحلية على هذه التقنيات يشكل ركيزة أساسية لضمان استدامة عمليات الترميم وابتكار حلول معمارية تحافظ على الطابع الثقافي للأماكن التاريخية، مع مراعاة الاحتياجات البيئية والاجتماعية الحديثة.
خبرات مستمرة وشراكات أكاديمية

وأوضح فيسلينغ أن زيارته تمثل امتداداً لشراكات أكاديمية مع الجامعات السورية منذ 2002، شملت ورشات عمل في دمشق وحلب، إلى جانب توثيق الوضع العمراني لمدينة حلب بخريطة مورفولوجية، تضم مئات الملفات الرقمية لإعداد خطط إعادة تأهيل مستدامة.
وعبر فيسلينغ عن سروره بعودته إلى دمشق بعد غياب 14 عاماً، مشيراً إلى حفاظ المدينة القديمة على جزء كبير من نسيجها العمراني، واعتبر ذلك فرصة ثمينة لصون الهوية والتاريخ، مع التشديد على احترام المقياس والمواد ووضوح التمييز بين الأصيل والجديد.
نصائح لطلاب الهندسة المعمارية
ودعا فيسلينغ الطلاب إلى تطوير مناهج التصميم الخاصة بهم اعتماداً على الخبرات الحديثة والمعمارية المستدامة التي تحترم الماضي وتلبي احتياجات الحاضر، مع الانتباه للسياق الثقافي والاجتماعي للمدن التاريخية، وتحقيق حوار دائم بين القديم والجديد لضمان أن تصبح المباني الحديثة تراثاً مستقبلياً أصيلاً لا تقليداً زائفاً.
تعزيز الذاكرة الحضارية
وتأتي هذه المحاضرة ضمن التعاون الأكاديمي المستمر بين ألمانيا وسوريا، مستندة إلى تجارب عملية وأبحاث معمقة، مع تقديم توصيات مهمة للمخططين والمعماريين السوريين، لمواجهة تحديات التنمية والحفاظ على الذاكرة الحضارية للمدن القديمة مثل دمشق وحلب، مؤكدة أهمية الجمع بين الأصالة والتجدد في المشهد العمراني السوري بعد التحرير.