دمشق-سانا
شهد عام 2025 نمواً عالمياً غير مسبوق في سينما أفلام الرعب، التي عادت لتكون على واجهة شباك التذاكر والنقاش الثقافي بعد فترة من التراجع النسبي.
ومع تزايد الإقبال على أعمال تجمع بين الإثارة الفنية والتعلق الاجتماعي، تأكدت مكانة الرعب كأحد أبرز الركائز السينمائية المعاصرة في العالم، وهذا ما تظهره بيانات الإيرادات، وآراء صانعي الأفلام والنقاد، وتحليلات متخصصة لرصد تغيرات ذائقة الجمهور وتوجهات الإنتاج.
الإقبال الجماهيري على الرعب
بريا إيلان، الكاتبة المتخصصة في شؤون السينما نشرت مقالاً في جريدة الغارديان البريطانية رأت فيه أن الازدهار الحالي في شباك التذاكر لأفلام الرعب ليس مفاجئاً، فقد شهدت بريطانيا ارتفاعاً بنسبة 22% في إيرادات أفلام الرعب، بزيادة 15 مليون جنيه إسترليني.

ويقول تشارلز غانت، محرر شباك التذاكر في مجلة سكرين إنترناشونال: “في العام الماضي، لم يحقق أي فيلم رعب 10 ملايين جنيه إسترليني، أما هذا العام فقد حققت خمسة أفلام هذا الرقم”، ومن أبرز هذه الأعمال: الخُطاة، والشعوذة: الطقوس الأخيرة، وبعد 28 عاماً.
الرعب وسيلة للتنفس العاطفي
تقول لورا ويلسون، رئيسة قسم الاستحواذ في شركة ألتيتيود البريطانية لتوزيع الأفلام عبر موقع الشركة على الإنترنت: “حتى من لا يحب الرعب يجد نفسه مضطراً لمشاهدة هذه الأفلام، فهي تتلاعب بالنوع والبنية لتخلق تجربة مختلفة تماماً، وتحدث صدىً لدى الجمهور”.
ويضيف مايك مونسر، مقدم بودكاست “تطور الرعب”: “هناك الكثير من الغضب والخوف والانقسام الذي ينعكس في السينما”، بينما يشير كريستوفر فريلينغ، مؤلف كتابي “سينما مصاصي الدماء”، و”فرانكشتاين: أول مئتي عام” إلى أن أفلام الرعب بارعة في اللعب على مخاوف الناس، إنها تجعلك تنسى مخاوفك اليومية وتركز على الوحش الذي على الشاشة.
وبين أفلام الرعب الحديثة التي تبدو قديمة الطراز ومعاصرة في الوقت نفسه، فإن فريلينغ يتوقع ضمن كتابيه أن تشهد السنوات المقبلة أفلاماً تتناول مخاوف معاصرة، مثل هيمنة الذكاء الاصطناعي.
نهوض أشكال فنية جديدة في سينما الرعب
ظاهرة صعود أنماط جديدة في سينما الرعب لها مؤيديون، وعن ذلك تقول الكاتبة والمخرجة البريطانية أليس لو، مخرجة فيلم انتقام ما قبل الولادة (2016): “كان وقتاً مثيراً للغاية، بداية عصر أصبح فيه الناس منفتحين على أفلام رعب مجنونة لكنها فنية”.

ويقول ريموند منديز، منتج فيلم لا تتجاهلني: “الرعب يبدو أكثر حياةً من أي وقت مضى، يستخدم للحديث عن الصحة النفسية، والتكنولوجيا، والهوية، مع قصص شخصية متعددة الطبقات”.
رواد الرعب الجدد
في وقت سابق تحدث جاستن وارن، فني التصوير الرقمي لمنصة نو فيلم سكول المتخصصة في صناعة الأفلام عن هذا الموضوع بقوله: “أصبح الرعب يحقق أداءً ممتازاً إبداعياً وتجارياً، والمخرجون الجدد مثل أوزغود بيركنز، وزاك كريغِر، وآري أستر يصنعون قصصاً عميقةً وجذابةً”، بينما ريكاردو مارتينيز، مؤسس لاتين أكسرسيستس، وهي مجموعة غير ربحية تُركّز على دعم وتأهيل كُتّاب ومنتجي أفلام الرعب، يشير إلى أن الرعب أصبح نوعاً مزدهراً وسط سوق سينمائي كئيب، ما يبرهن على قوته المالية والثقافية”.
توقعات المستقبل
يقول جاد أوفرتون، مدير التصوير في فيلم قاتل تماماً: “مع توافر كاميرات عالية الجودة، يمكن لصانعي الأفلام التصوير بحرية وإنتاج أعمال مبتكرة”، بينما يقول أندرو سكوت بيرد، مدير تصوير فيلم شيلبي أوكس: “الرعب هو النوع الأكثر تنوعاً، ويمكنه أن يجمع بين الكوميديا، والإثارة، والرومانسية، والخيال العلمي، والدموية”.
الرعب يهزم الأبطال الخارقين
شباك التذاكر يؤكد أن أفلام الزومبي ومصاصي الدماء كانت الأكثر بروزاً عام 2025، مع تراجع جاذبية أفلام الأبطال الخارقين، إذ سجلت أفلام الرعب 17% من مبيعات التذاكر داخل أمريكا الشمالية مقارنةً بـ11% في 2024، وفق بيانات شركة كومسكور المتخصصة في إحصاءات شباك التذاكر.
تزايد شعبية أفلام الرعب مقابل الأفلام الأخرى بررها ستيفن فولوز، محلل بيانات سينمائية على موقعه الشخصي بقوله: “تمنح هذه الأفلام الجمهور فرصة لمعالجة أمور يصعب مواجهتها في الحياة اليومية”، بينما يشير بول ديرجارابديان، كبير محللي كومسكور إلى أنه يمكن لفيلم ميزانيته متواضعة أن يكون مخيفاً للغاية ويحقق تأثيراً أكبر من إنتاج ضخم مكلف.
الرعب عاد بقوة في عام 2025، كنوع قادر على الجمع بين الإبداع الفني، والإثارة العاطفية، والنجاح التجاري، مع إتاحة الفرصة لأصوات جديدة للتعبير عن مخاوفهم وتجاربهم. وبين المستقلين والعمالقة، وبين الأفلام الضخمة والمستقلة، يشهد المشهد السينمائي الآن عصراً ذهبياً للرعب، حيث لا يقتصر على بث الخوف، بل يتيح منصة للحوار الثقافي والاجتماعي والتجريبي.




