دمشق-سانا
أطلت رواية (مدينة يسكنها الجنون)، للروائي محمد تركي الدّعفيس، والحاصلة على جائزة كتارا للرواية العربية، على جمهور القراء السوري للمرة الأولى مساء اليوم، خلال فعالية قراءة وتوقيع للرواية في المركز الثقافي بالمزة، بحضور أدباء ومهتمين.
المدن المنسية تفرز أشخاصاً منسيين

وتجوّل الحضور من المثقفين والأدباء في أزقة تلك المدينة، في رحلةٍ قادها الدّعفيس للرواية التي تبدأ بجريمة قتلٍ غامضة لطبّال منسي، لا أحد يكترث لموته، لكن المدينة المهمشة تجده حكاية جديدة تقتات عليها، بينما ابنه الوحيد (طارق) ذو الـ 17 عاماً يحتقن قلبه على مصير والده ومعرفة قاتله، فيضخُّ الأستاذ (مسعود) كثيراً من الأفكار المتطرفة بعقله، ما يقوده لارتكاب جرائم قتل متتالية، برسالة رمزية عن التمرد على الظلم الاجتماعي والتفاوت الطبقي.
كما تحكي الرواية خطاً آخر بالتوازي، وهي قصة الأستاذ (حسن) الذي كان له دور أيضاً بشخصية (طارق)، ويعيش سنوات عمره منتظراً حبيبته (عزة)، التي عجز عن الزواج بها لاختلاف الانتماءات، وحين تعود إليه برهة يتحول أمامها لمستشارٍ عاطفي لها، ليخلص إلى أن المدن المنسية تفرز أشخاصاً منسيين بعلاقاتهم وحتى حبهم.
الرواية تجاوزت حدود المكان والزمان

في القراءة النقدية، أبرزت الكاتبة سمر تغلبي قدرة الرواية على خلق مدينة خيالية منسية بعمق الريف غنية بالقصص والجنون، حيث تمتزج بساطة المكان مع تعقيد حياة سكانها الذين يتميزون بالكسل والحكايات التي تستبيح حياة الآخرين وتبالغ فيها، أما المتعلمين فيها فلا يعودون إليها إلا نادراً، مع إبراز التهميش والمفارقات بين من يغادر المدينة ومن يظل فيها.
أما من ناحية أسلوب السرد واللغة فأشارت تغلبي إلى أن الرواية تتسم بسردٍ عالٍ يتميز بالعمق والمرونة، حيث ينساب السارد بين الغائب والحوار، ليمنح القارئ رؤية شاملة لشخصيات المدينة وأسرارها، فيما ركز الدّعفيس لغوياً على صور شعرية وصياغة إبداعية غنية، مع حوارات تتنوع بين البساطة والعُمق، ما يعكس قدرة الرواية على الجمع بين الواقعية والخيال، ويتيح للقارئ تجربة سردية متكاملة تتجاوز حدود المكان والزمن.
عمق في الفكرة وجمال في المعنى
من جانبها، قالت مقدمة الفعالية إيمان شرباتي: إن الرواية ليست مجرد حكاية عن الجنون، بل عن العقل الذي يغيب في واقع المختلين، وعن الإنسان الذي يبحث عن معنى في عالمٍ فقد ملامحه، لافتةً إلى أن المدينة تتكلم وتتنفس وتئن من فرط ما شاهدت من أشخاص مؤذيين، وأحلامٍ تتكسر، منوهةً بالنداء العاطفي الهامس في الإهداء بهذه الرواية المجنونة.

ورأت شرباتي أن الكاتب ينسج في روايته نسيجاً روائياً يجمع بين عمق الفكرة وجمال المعنى، وبين السخرية والواقع بآنٍ واحد، كما نجح بجرأته وأسلوبه المميز رسم لوحة روائية تتحدى القوالب الجافة، وتدعو للتأمل بسؤال بسيط ومعقد معاً: من الذي يسكن من، أحقاً الجنون يسكن المدينة، أم البشر الذين يسكنون جنونهم.
ولفتت شرباتي إلى أن الدّعفيس رسم بالرواية مدينة منسية مهمشة تجاوزت الجغرافيا، لتصبح رمزاً للواقع العربي بكل تناقضاته.
يشار إلى أن محمد تركي الدعفيس روائي وقاص سوري من مواليد حمص سنة 1966، حصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1990، عمل صحفياً في السعودية عام 2000، وأصدر أولى كتبه سنة 2012 بعنوان “على حافة الأمنية”، بعدها تتالت أعماله ومنها، روايتي “الرصاصة تقتل مرتين” و”البلم”، ومجموعة قصصية بعنوان “رحيل”، وحصل على عدد من الجوائز منها جائزة المركز الثالث لأدباء العراق، كما فازت روايته “مدينة يسكنها الجنون” بجائزة كتارا للرواية العربية عن فئة الروايات غير المنشورة عام 2023.


