دمشق-سانا
تتولّى مديرية التراث اللامادي في وزارة الثقافة صون الموروث الثقافي السوري وتوثيقه في خمسة مجالات أساسية هي: التعبيرات الشفهيّة، الفنون الأدائية، الممارسات الاجتماعية والاحتفالات، المعارف المتصلة بالطبيعة والكون، والحِرف التقليدية.
وحول عمل المديرية خلال الأشهر الماضية، قالت مديرة المديرية رولا عقيلي لـ سانا الثقافية: “منذ اليوم الأول لإعادة تفعيل العمل في وزارة الثقافة عقب التحرير، بدأنا بإعادة بناء منظومة المديرية التوثيقية، وخاصة أنها كانت من أكثر المديريات تضرراً جراء أعمال السرقة التي طالت مبنى الوزارة، حيث فُقدت الحواسيب ووحدات التخزين التي كانت تضم تسجيلات نادرة ووثائق رقمية بالغة الأهمية”.
وأضافت: إن المديرية تمكّنت من استعادة جزء كبير من قاعدة البيانات، في مقدمتها السجل الوطني للتراث اللامادي، وعملت على إعادة تنظيم البيانات المستعادة وبناء قاعدة حفظ جديدة تضمن استمرارية التوثيق وحماية المواد من الفقد مستقبلاً.
السجل الوطني… مرجع الترشيحات
يشكّل السجل الوطني للتراث اللامادي المرجعية الأساسية التي تنبثق عنها القوائم الوطنية والمحلية المعتمدة في المحافظات السورية، وتُحدَّث بياناته دورياً كل عامين، ويضمّ حالياً نحو 110 عناصر تراثية موزعة على قوائم بحسب المجال والموقع الجغرافي.
وتعمل المديرية حالياً وفق عقيلي على مشروع جرد ميداني في محافظة إدلب، يُعدّ الأول من نوعه بعد التحرير، يشمل أكثر من ألف استمارة توثيق يجري تنفيذها ميدانياً عبر فريق من 10 باحثين محليين تلقّوا تدريباً بإشراف المديرية على مفاهيم اتفاقية 2003 المعنية بصون التراث الثقافي غير المادي، وأساليب التوثيق الميداني.
تعاون دولي وملفات مشتركة
وبحسب عقيلي تواصل المديرية تعاونها مع عدة دول عربية عبر إعداد ملفاتٍ مشتركة لليونيسكو، حيث أنجزت ملفين كاملين أُرسلا إلى اليونيسكو، الأول عن الخيول العربية الأصيلة بالشراكة مع البحرين، والثاني حول السعفيات والألياف النباتية بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة.
أما الملفات الجاري العمل عليها فتشمل الألعاب الذهنية الشعبية بالتعاون مع الجزائر، وصناعة الفخار التقليدي بالشراكة مع الأردن، وأقنية الري التقليدية مع سلطنة عُمان.
الترويج عبر المطبوعات والفعاليات
يشكّل الترويج للتراث اللامادي أحد أدوار عمل المديرية، من خلال المهرجانات والمعارض والمطبوعات، حيث توضح عقيلي أن مجلة التراث الشعبي تمثّل الواجهة الثقافية للمديرية، وتسهم في نشر الوعي العلمي والمجتمعي بالتراث الحي، مبينةً أن العمل جارٍ لإصدار العددين (36 و37) بعد دمجهما ليكونا أول عددين يصدران بعد التحرير، بهيئة تحرير جديدة، وبتخصيصهما لدعوة الباحثين السوريين للمشاركة بمقالات علمية تُعنى بالتراث اللامادي.
ونظمت المديرية فعاليات تراثية في عدد من المحافظات، من بينها مهرجان مشتى الحلو التراثي الذي أُقيم في شهر آب، ومحاضرات متخصّصة في المكتبة الوطنية خلال الأشهر الماضية، تناولت مفاهيم التراث اللامادي وأساليب الحفاظ عليه بحسب عقيلي.
وبمناسبة اليوم الدولي للتراث اللامادي الذي يصادف 17 تشرين الأول، تستعد المديرية لإقامة معرض لأعمال الفنان هشام الكيلاني المختص بالفسيفساء الحجرية، بالمتحف الوطني بدمشق.
التراث رافعة اقتصادية ومسؤولية وطنية
تؤكد عقيلي أن التراث اللامادي يمثّل رافعة اقتصادية وطنية يمكن أن تخلق فرص عمل وتدعم الاقتصاد المحلي من خلال الحِرف والصناعات، مشدّدةً على ضرورة تطوير هذه الحِرف دون المساس بأصالتها أو طابعها التراثي.
وتعمل المديرية على تنفيذ مشروع لتوثيق الأزياء التقليدية في القلمون والقطيفة بالتعاون مع جمعية سين، بهدف توثيق وصون الأزياء التراثية وتفعيل حضورها المعاصر، إلى جانب تمكين النساء العاملات في مجال تصميم وتنفيذ الأزياء التقليدية، بما يسهم في استدامة الموروث الحي وتوظيفه ضمن منظومة التنمية الثقافية والاقتصادية المحلية.
هذه المبادرات تهدف بحسب عقيلي إلى بناء شراكات فاعلة مع الجمعيات والمبادرات الأهلية، انطلاقاً من قناعة بأن صون التراث اللامادي مسؤولية مجتمعية مشتركة تتكامل فيها أدوار الدولة والمجتمع.
وتختتم عقيلي حديثها بالتأكيد على أن صون التراث اللامادي مسؤولية وطنية مشتركة لا تقتصر على وزارة الثقافة وحدها، بل تتطلب تضافر الجهود بين المؤسسات التعليمية والسياحية والمجتمع المحلي والأهلي، لأن التراث هو ذاكرة الناس التي تحيا في تفاصيلهم اليومية.