دمشق-سانا
في زمن حلت فيه العتمة وساد الظلام، كان هناك صوت سوري أضاء هذه الحلكة، وجعل من قلمه سلاحاً واجه فيه بشجاعة الاستبداد والقمع وبطش النظام البائد وأجهزته الأمنية، إنه الروائي الراحل خالد خليفة.
خليفة الذي حلت ذكرى رحيله الثانية بالأمس، حيث رحل في ال30 من أيلول من عام 2023 عن عمر ناهز (59) عاماً، بقي حتى وفاته في دمشق رافضاً مغادرتها، ومجسداً صورة “المعارض من الداخل”، حيث كتب نصوصاً حملت بين سطورها إدانة صريحة للنظام البائد والآلة الأمنية، إلى جانب تفكيك البنية العميقة للعنف السوري.
من أورم الصغرى إلى جامعة حلب
وُلد خالد خليفة عام (1964) في بلدة أورم الصغرى بريف حلب، ونشأ في أسرة متوسطة الحال يعمل أفرادها في الزراعة وتجارة الآلات الزراعية، كان الخامس بين تسعة إخوة، ودرس القانون في جامعة حلب ليتخرج عام 1988.
وخلال سنوات الجامعة، شارك في المنتدى الأدبي الذي شكّل حاضنة لعدد من الأصوات الأدبية الشابة، وهناك بدأ يكتب الشعر قبل أن يتجه إلى الرواية.
مؤلفات صنعت جدلاً
أصدر خليفة روايته الأولى “حارس الخديعة” عام (1993)، ثم “دفاتر القرباط” عام (2000) التي جُمّدت بسببها عضويته في اتحاد الكتّاب العرب، لما حملته من موضوعات حساسة، أما التحوّل الكبير فجاء مع “مديح الكراهية” (2006)، التي اقتحمت تاريخ العنف في سوريا خلال ثمانينيات القرن الماضي، خلال حكم حافظ الأسد، ورغم أن هذه الرواية منعت داخلياً إلا أنها ترجمت إلى عدة لغات.
وأصدر خليفة روايته التي أثارت ضجة كبيرة “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” عام (2013)، الحائزة على جائزة نجيب محفوظ، حيث قدّم خلالها صورة قاتمة لحياة السوريين تحت حكم النظام البائد الأمني، بينما تناول في روايته “الموت عمل شاق” (2016) الثورة السورية، من خلال رحلة ثلاثة إخوة لنقل جثمان والدهم وسط الحواجز.
كما عاد في “لم يصلّ عليهم أحد” (2019) إلى بدايات القرن العشرين في دمشق ليكشف جذور القمع، وصولاً إلى “نسر على الطاولة المجاورة” (2022)، وكان يُحضّر لرواية جديدة بعنوان “سمك ميت يتنفس قشور الليمون”.
الدراما والسينما
كتب خليفة نصوصاً للسينما والتلفزيون، أبرزها فيلم باب المقام، ومسلسلات مثل سيرة آل الجلالي وهدوء نسبي، ما عزز حضوره ككاتب متنوع الأدوات.
معارضة من الداخل
اصطدم خليفة مبكراً بالرقابة قبل الثورة السورية، ومع انطلاقة الثورة أعلن مناصرتها ولم يخف ذلك أبداً، وأكد في أكثر من مناسبة مشروعيتها كخيار لا بديلَ عنه في مواجهة الظلم.
وسبق أن تعرض للضرب حتى كسرت يده في اعتداء لأجهزة أمن النظام البائد أثناء مشاركته في تشييع الموسيقي السوري ربيع غزي في ال 26من (أيار) 2012 والذي اغتالته قوات الأمن وقتها.
ظل متمسكاً بالبقاء في دمشق، مؤكداً أن وجوده داخل البلاد جزء من شهادته الأدبية، وكتب رواياته في ظل تضييق أمني، فصودرت أعماله ومنعت مراراً، لكنها شكّلت وثائق روائية لإدانة الاستبداد.
أثر المعارضة في نصوصه
انعكست معارضته للنظام على شخصياته الروائية، التي غالباً ما عاشت بين الخوف والرغبة في الحرية، من مديح الكراهية إلى الموت عمل شاق، وبقيت أعماله بمثابة شهادة على الخراب الإنساني تحت سلطة الاستبداد والحرب.
وبرحيله إثر أزمة قلبية في منزله بدمشق، فقدت الثقافة السورية والعربية صوتاً فريداً ظل حتى اللحظة الأخيرة شاهداً على وطن ينهشه القمع والحرب.