ريف دمشق-سانا
تخليداً لذكرى المجازر التي ارتكبها النظام البائد بحق الشعب السوري ومنها مجزرة الكيماوي بريف دمشق التي تصادف اليوم الذكرى الـ 12 لها، وصوناً للذاكرة السورية لتوثيق هذه الجرائم وتحقيق العدالة، نظمت وزارة الثقافة في مدينة داريا بريف دمشق اليوم، مؤتمراً حمل عنوان “مجازر سوريا، ذاكرة لا تموت، التوثيق من أجل المحاكمة”.
شهادات حية تروي ما لن يُنسى

المؤتمر الذي استضافته صالة قصر الحبيب في مدينة داريا، تضمن عرض فيلمين وثائقيين عن جرائم النظام البائد بحق المدنيين والأبرياء، وعمليات القصف على أحياء المدينة، والتدمير المنهجي لمبانيها وتهجير سكانها، إضافة إلى عرض شهادات حية قدمها شهود عيان من أبناء المدينة في تلك الحقبة، على الحضور مباشرة ومن خلال مقابلات فيديو مسجلة، أظهرت حجم المأساة التي عاشها أبناء داريا طوال أربعة أعوام، وتهجير نحو 100 ألف من سكانها، والتي أدرجتها منظمات حقوقية سورية ودولية جرائم حرب.
وزير الثقافة: الجرح صار هوية
وقال وزير الثقافة محمد ياسين الصالح خلال كلمة له: “إن داريا تعود لنا وهي محمولة على أجنحة الوجع كالأم الثكلى التي تبحث عن الخراب في وجوه أطفالها، وتحمل معها جرحها الذي لم يندمل وذاكرتها التي لم تخفت، وشهداءها الذين لم يرحلوا عن وجداننا”.
وأضاف الوزير الصالح: “إننا لسنا هنا لنعيد فتح الجرح، بل لنقول إن الجرح صار هوية، وإن الدم صار عهداً، وإن الصرخة التي خرجت من صدور أطفال داريا لم تنطفئ”، مؤكداً أن “داريا أصبحت مدينة في الضمير وبوابة خلاص، والأمانة التي نقسم بأن لا تذهب تضحياتها سدى، وأن تبقى سوريا وطناً يليق بدماء رجالها ونسائها وأطفالها”.
المجازر لا تنسى… والتوثيق مسؤولية وطنية
وفي تصريح خاص لـ سانا، قال وزير الثقافة: إن المجازر التي تنسى تتكرر ونحن لن ننسى، وفي كل مجزرة من هذه المجازر نتذكر كيف كان النظام ساقطاً لدرجة لم تمنعه من ضرب الأطفال بالغاز السام، بينما لم يفكر الثوار يوماً باستهداف المدنيين في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة النظام.
وأشار الوزير الصالح إلى أن حماية سردية الثورة السورية وتوثيقها وكتابة التاريخ ليست مسؤولية وزارة الثقافة فقط، بل هي مسؤولية الجميع، حيث لا بدّ أن يكون هناك إشراف رئيسي ومباشر لوزارة الثقافة، وهذا ما نفعله عن طريق الكثير من المشاريع التي بعضها سيرى النور قريباً وبعضها يحتاج لبعض الوقت.
ذكرى مجازر الغوطة الكيماوية… حافز للثبات
مدير مديرية المراكز الثقافية الشاعر أنس الدغيم قال في تصريح مماثل: “في مثل هذا اليوم من عام 2013 استيقظنا على الموت وعلى القصف الكيماوي في الغوطة، مستذكرين هذه الجريمة لكي نظل ثابتين راسخين، كما عودنا العالم على ثبات الأحرار في الثورة السورية، لكي لا تتكرر هذه المأساة ولا ننسى الشهداء، ولنقول للطغاة لقد انقطع عهدكم وبقي الانسان المقاوم والثائر الذي طالب بحريته”.
أبناء داريا يتحدثون بلسان الألم
ومن أبناء داريا، تحدث باسم الحو “فني تخدير وطالب طب بشري”، عن المعاناة التي عايشها أثناء وجوده في مدينة داريا خلال الحصار، مبيناً أن فعالية اليوم هي مفتاح مهم جداً لتوثيق المجازر حتى لا تتكرر في أي بقعة بالعالم، لافتاً إلى ضرورة توثيق التضحيات التي قدمها الشعب السوري، وضرورة قراءة التاريخ القديم والحديث لكي لا تعاد.
دعوة لتوثيق المجازر في الجزيرة السورية
الباحث في التاريخ الاجتماعي والسياسي السوري مهند الكاطع رأى أن إحياء ذكرى هذه المجازر فرصة لتسليط الضوء على الوضع في الجزيرة السورية والمجازر التي ارتكبت في المنطقة، وخاصة في محافظة الحسكة، وقارنها بفظاعة ما حدث في داريا، ودعا إلى ضرورة اهتمام الإعلام السوري بمنطقة الجزيرة لما لها من أهمية اقتصادية وحضارية وتاريخية لسوريا.
دعوة إلى التوثيق الرقمي والمادي
الناشط الإعلامي والمدون الصحفي إسماعيل الأنصاري تحدث عن أهمية تخليد ذكرى ضحايا المجازر والجرائم الإرهابية التي وقعت في أرجاء سوريا، ولا سيما في دير الزور، من خلال التخليد المادي مثل إنشاء أماكن تذكارية كحدائق ومتاحف وغيرها، والتخليد الرقمي كإنشاء محتوى رقمي يوثق هذه الأحداث، مؤكداً ضرورة العمل على توثيق هذه الأحداث ونشرها بلغات مختلفة، وتشجيع الناشطين على جمع ونشر الصور والشهادات المتعلقة بالمجازر التي لم تنشر سابقاً.
الذاكرة سلاح في وجه الإنكار
المسؤول عن المؤتمر الإعلامي والموثق تمام أبو الخير قال: “نعلم أن الطريق إلى العدالة طويل، وأن جراحنا عميقة، لكننا نعرف أيضاً أن الأوطان تبنى على الحقيقة لا على الأكاذيب، ويجب علينا تذكّر أن المجازر ليست مجرد فعل ماضوي، بل هو التزام يومي بأن نروي الحكاية ونحفظ الدرس ونمنع تكراره”، مشيراً إلى أنه في مواجهة آلة القمع والإنكار تصبح الذاكرة سلاحاً.
ومن الشهادات الحية التي قدمت في المؤتمر، تطرق الطبيب خليل أسمر عبر تسجيل فيديو، إلى عدد الشهداء والجرحى في المجازر التي طالت داريا خلال سنوات حصارها، إضافة إلى النقص الهائل في الكوادر الصحية والمواد الطبية، والسلع الغذائية، وغياب مياه الشرب والكهرباء، مطالباً بمحاسبة كل من ارتكب هذه المجازر بحق الشعب السوري.
يشار إلى أن مدينة داريا شهدت في آب عام 2012 واحدة من أبشع المجازر، أعقبها حصار خانق فرضه النظام البائد دام أربع سنوات، منع فيه دخول الغذاء والدواء، في وقت تواصل فيه القصف اليومي بالبراميل المتفجرة والطيران الحربي، ما أسفر عن تدمير شبه كامل للبنية التحتية وتهجير عشرات الآلاف من السكان في آب عام 2016.








