دمشق-سانا
في خطوة نوعية تهدف إلى الحفاظ على أحد أبرز الصروح الثقافية في العاصمة، منحت وزارة الأوقاف مبنى سينما الكندي بدمشق إلى المؤسسة العامة للسينما لمدة خمس سنوات، بعد أن استعادته من ورثة المستثمر السابق، ليعود هذا الفضاء الفني إلى دوره الطبيعي منبراً للفن الجاد، وصون الذاكرة الجمعية للسينما السورية.
إعادة تأهيل سينما الكندي برؤية ثقافية واجتماعية جديدة
وللحديث عن هذا الموضوع أوضح مدير المؤسسة العامة للسينما الفنان جهاد عبده لمراسل سانا، أن سينما الكندي تحمل ذاكرة جمعية للأجيال السورية منذ الطفولة، وكانت منبراً لتقديم أفلام عالمية، مشيراً إلى أن المؤسسة ستعمل على إعادة تأهيلها، وقد تنتقل مستقبلاً إلى مكان جديد ضمن صيغة عصرية تواكب الصالات العالمية.
وقال عبده: “عندما منحت وزارة الأوقاف البناء دون وسطاء كما كان يحدث في الماضي، فإنها فعلت ذلك إيماناً منها بأن مشروعنا اليوم ليس ترفاً، بل خدمة اجتماعية ملتزمة وواجب إنساني، وكما بنت الأوقاف عبر التاريخ مدارس ومكتبات لحماية العلم، فهي اليوم تحتضن منبراً للفن الراقي والملتزم، الذي يوثّق وجع الناس ويحوّل آلامهم إلى ذاكرة باقية”.
وأوضح عبده أن قرار وزارة الأوقاف جرى ضمن لجنة مختصة لمتابعة استثمار سينما الكندي، ضمت ممثلين عن وزارتي الثقافة والأوقاف، بما يضمن استخدام السينما لأهداف ثقافية وتربوية.
مؤسسة متهالكة وتحديات من تحت الصفر
بيّن عبده أن المؤسسة العامة للسينما ورثت بنية تحتية متهالكة، إذ لا تتوافر كاميرات أو حواسب أو حتى منظومة إدارية متطورة، فضلاً عن قدم المستودعات والإضاءة والمولدات وسيارات النقل وضآلة الرواتب، ما يتطلب للنهوض بالمؤسسة إعادة تأسيس كاملة من تحت الصفر.
وأكد عبده أن العمل جار بشكل مضاعف في مشروع كامل للنهوض بالمؤسسة بالتعاون مع عددٍ من الخبرات السورية التي بدأت بالانضمام إلى المشروع، مضيفاً: إن خطة المئة يوم من استلام مهامه قد بدأت بالتبلور.
خبرة هوليوود وشراكات دولية
تحدث عبده عن تجربته السينمائية في الغرب، والتي أكسبته خبرة واسعة في مجال الإنتاج السينمائي الحديث، حيث اطلع على حجم التجهيزات المتطورة من كاميرات ومعدات إضاءة وصوت وأنظمة إنتاجية متكاملة، وهو ما يسعى لنقله إلى سوريا.
كما كشف أن مؤسسة السينما انفتحت مؤخراً على شراكات مع هوليوود وعدد من شركات الإنتاج العربية والعالمية، بهدف نقل الخبرات والتقنيات الحديثة إلى سوريا، وإيجاد فرص لتعاون سينمائي دولي يسهم في تطوير الصناعة السينمائية الوطنية وتعزيز حضورها محلياً وعالمياً، وتدريب كوادر سورية في الخارج، واستضافة خبراء عالميين في دمشق ضمن مختبر سينمائي قيد التأسيس، مؤكداً أن مناخ الاستثمار الحالي يشجع على عودة خبرات سورية للاستثمار في بلادها.
ولفت عبده إلى أن العديد من الدول العربية والصديقة أبدت حماساً واستعداداً لدعم سوريا في إعادة إحياء السينما، سواء عبر برامج تدريب أو دعم إنتاجات مشتركة.
وشدد عبده على أن القرارات داخل المؤسسة لا تتخذ بشكل فردي، حيث شكلت لجان متخصصة من أصحاب الخبرات الحقيقية لدراسة المشاريع والنصوص المقترحة، لضمان الشفافية وتكريس العمل الجماعي في صناعة القرار، مبيناً أن أي خطة أو إنتاج لن يمر إلا عبر النقاش والتوافق داخل المؤسسة.
المشروع الفني الجديد في مؤسسة السينما
وكشف عبده أن من ضمن مشاريع المؤسسة مشروع تصحيح الصورة المغلوطة التي يقدمها الغرب عن الإنسان العربي عموماً والمسلم على وجه الخصوص، وقال: “المسلم اليوم طبيب ناجح في المشافي وأستاذ محاضر في كبريات الجامعات ومراكز الأبحاث، وله حضور في وكالة ناسا، وإسهامات كثيرة في الغرب، فلماذا يُقدَّم بصورة مشبوهة؟”.
وفي هذا الصدد كشف عبده أنه طرح هذا المشروع على وزارة الثقافة ومديرية الأوقاف وقد لاقى ترحيباً واسعاً، حيث يتقاطع مشروعه مع أهداف المؤسستين في تقديم صورة صادقة عن السوريين وقيمهم الإنسانية، لبناء منبر للثقافة البصرية والوجدانية، يوثق آلام الناس ويحفظ ذاكرتهم.
كما بين أن المؤسسة تسعى لإعادة إحياء التراث والتركيز على الشخصيات العربية والإسلامية المضيئة، إلى جانب الاحتفاء بشهداء سوريا، أمثال غياث مطر وعبد الباسط الساروت، والطفلين حمزة الخطيب، وثامر الشرعي.
وقال عبده: “السينما الصادقة التي تنطلق من وجدان الإنسان السوري قادرة على مواجهة خطاب الكراهية وبث الأمل، فنحن نمتلك الطاقات والخبرات لنكون جزءاً من صناعة سينمائية عالمية، وسنقدم أفلاماً ترفع اسم سوريا في المحافل المحلية والدولية”.
رهان على الخبرة لإحياء السينما السورية
وكانت وزارة الثقافة أصدرت قراراً بتكليف الممثل جهاد عبده بمهام المدير العام للمؤسسة العامة للسينما في حزيران الماضي، ضمن استراتيجية الوزارة الرامية إلى تعزيز القطاع السينمائي بكفاءات تمتلك خبرات محلية وعالمية.