دمشق-سانا
تشكل مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة إرثاً صامتاً من الخطر يختبئ بين الركام والحقول الزراعية، وتحدياً أمنياً وإنسانياً يهدد حياة وسلامة آلاف الأسر السورية العائدة إلى مدنها وقراها التي تحررت من النظام البائد.

وفي تصريح لمراسل سانا، كشف رئيس برنامج دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام (أونماس) في سوريا جوزيف مكارتان، أن العام 2024 سجل أعلى معدلات الإصابة جراء انفجار المخلفات والذخائر الحربية، حيث تم توثيق 500 ضحية بين قتيل وجريح موزعين على أكثر من 800 موقع ملوث، في مناطق متعددة في الجنوب والشرق والشمال، مما يجعل ملف التوعية والسلامة واحداً من أكثر الملفات إلحاحاً في مرحلة ما بعد التحرير.
توزع جغرافي لخطر الموت
وأوضح مكارتان أن أخطر البؤر تتركز في جنوب درعا ودير الزور ومناطق الفرات شرقاً، والشريط الممتد من شمال حماة وصولاً إلى شمال حلب واللاذقية، مشيراً إلى أن هذه المناطق تستقبل أعداداً متزايدة من العائدين، لكن كثيرين منهم لا يدركون حجم المخاطر المحدقة بهم.
ولفت إلى أن نصف الإصابات تحدث للمزارعين أثناء عملهم، والنصف الآخر خلال محاولات ترميم المنازل أو جمع الخردة، ما يجعل التوعية الوقائية أساساً من أسس إعادة الإعمار وليس عملاً ثانوياً، داعياً إلى أن تشمل التوعية جميع شرائح المجتمع.
الإعلام.. واجهة الوعي وشريك بالسلامة

في إطار جهود الحماية المدنية، تنظم أونماس تدريبات خاصة للإعلاميين بهدف تعزيز دورهم كحلقة وصل بين المختصين والمجتمع، وأكدت المدربة عبير الصايغ أن وسائل الإعلام اليوم تمتلك القدرة على الوصول إلى ملايين الناس، وقد ترسل رسالة إعلامية دقيقة تُنقذ الحياة بينما قد تودي المعلومات خاطئة بحياة الكثيرين، مؤكدة أن جوهر هذه التدريبات هو ضمان لأن يكون الإعلامي على وعي كامل بطبيعة المخاطر، وأن ينقل المعلومة بدقة ومسؤولية.
ووجهت الصايغ رسالة واضحة للعائدين بضرورة عدم دخول أي مكان غير مُعلن أنه آمن، والرجوع للجهات المختصة والدفاع المدني قبل العودة إلى المنازل أو الأراضي الزراعية.
تحديات واسعة… وإرادة لا تتراجع

من جانبه، أشار المدرب فادي حمصي، إلى أن التلوث الواسع بالمخلفات الحربية في سوريا يشكّل تحدياً كبيراً، فمنذ عام 2019 يجري العمل بشكل متواصل لإيصال رسائل التوعية إلى أكبر عدد ممكن، وبعد التحرير من النظام البائد توسّعت الهمة، لكن عودة الأهالي زادت من حجم المخاطر أيضاً، مؤكداً أن الفرق تعتمد على كل الوسائل المتاحة من الجلسات المباشرة، ووسائل التواصل الاجتماعي والمواد المرئية، لضمان وصول رسائل التحذير إلى كل بيت.
في سياق متصل، أشار علي قيقوني مسؤول التواصل الحكومي للمركز الوطني لمكافحة الألغام، إلى أن المركز يتولى وضع وتنفيذ استراتيجيات إزالة مخلفات الحرب، ويعمل بالتنسيق مع الجهات العسكرية والهندسية والمنظمات الدولية، بما يضمن حماية المدنيين وسلامتهم.
ولفت قيقوني إلى أنه تم تسجيل 16 حادثاً مرتبطاً بالذخائر المنفجرة (EO) في أنحاء مختلفة من سوريا في آخر تحديث قبل أسبوع، والتي تسببت بسقوط 24 ضحية بين قتيل ومصاب، منوهاً إلى 3 من هذه الحوادث وقعت خلال الأسبوع الماضي.
يذكر أن الذخائر والمخلفات الحربية غير المنفجرة التي يعتبر العدد الأكبر منها من مخلفات النظام البائد، تشكل خطراً كبيراً يهدد حياة العديد من المواطنين السوريين ويعيق عودتهم إلى مناطقهم، كما يشكل عائقاً رئيساً أمام جهود إعادة الإعمار والتنمية.
