دمشق-سانا
يدخل الاقتصاد العالمي عام 2026 في مرحلة من الاستقرار النسبي بعد عام مضطرب شهدته الأسواق في 2025، غير أن هذا الهدوء يخفي وراءه ضغوطاً متراكمة من التضخم ومخاطر أسعار الفائدة، إضافة إلى هشاشة عميقة ناجمة عن ثلاث فقاعات مترابطة تهدد النظام المالي الدولي، وفق تقارير حديثة صادرة عن مؤسسات دولية.
يشير تقرير فيتش سوليوشنز إلى أن إعادة ضبط التعريفات الجمركية الحادة قد انتهت إلى حد كبير، مع استمرار بعض الإعفاءات والقيود السياسية التي تحد من التصعيد التجاري، وسيدعم هذا التطور استمرار انخفاض التضخم، وإن ظل أعلى من المستهدف في العديد من الاقتصادات المتقدمة والناشئة.
ويوضح التقرير أن معدل نمو الاقتصاد العالمي سيبلغ 2.6% في 2026، دون تغيير عن 2025، مع تفاوت واضح بين المناطق: نمو ضعيف في بعض الأسواق الصاعدة عند 1.6%، مقابل تعافٍ تدريجي تقوده ألمانيا وأستراليا.
سياسات نقدية أكثر تحفظاً
تتوقع فيتش أن تستمر دورة التيسير النقدي التي بدأت في 2024، لكنها ستفقد زخمها مع وصول عدد من البنوك المركزية إلى مستويات الفائدة النهائية، فستة بنوك مركزية في الأسواق الناشئة ستخفض أسعار الفائدة بمجموع 125 نقطة أساس في 2026، وهو نصف ما تم خفضه تقريباً في 2025.
أما الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وبنك إنكلترا فسيكتفيان بخفض متواضع يبلغ 50 نقطة أساس لكل منهما، فيما يصل البنك المركزي الأوروبي وكندا إلى مستويات الفائدة النهائية، ومع ذلك، يبقى الحذر العنوان الأبرز لسياسات البنوك المركزية نتيجة استمرار المخاطر التضخمية وارتفاع كلفة التأمين على السندات.
فقاعات تهدد النظام المالي
في موازاة توقعات الاستقرار، يكشف المنتدى الاقتصادي العالمي عن أخطر تهديد مالي يواجهه العالم منذ أكثر من عقدين: ثلاث فقاعات كبرى متزامنة تشمل الذكاء الاصطناعي، العملات المشفرة، والديون العامة والخاصة.
فقاعة الذكاء الاصطناعي: تدفقات بمليارات الدولارات نحو البنية التحتية الرقمية، مع سندات تجاوزت قيمتها 90 مليار دولار للشركات الكبرى، وتحذيرات من أن أي انفجار مفاجئ قد يترك مراكز بيانات بمليارات الدولارات بلا استخدام.
فقاعة العملات المشفرة: هبوط البيتكوين الأخير أثار قلقاً واسعاً، وجعل السوق قناة سريعة لانتقال الصدمات المالية بين القطاعات.
فقاعة الديون العالمية: الدين العام تجاوز 100 تريليون دولار، فيما بلغ إجمالي الدين العام والخاص أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج العالمي، ما يقيّد قدرة الحكومات على التدخل عند حدوث صدمة.
رؤى متباينة
بينما يحذر المنتدى الاقتصادي العالمي من “انفجار مالي مترابط”، تقدم وكالة ستاندرد آند بورز رؤية أكثر تفاؤلاً، مؤكدةً أن آثار الرسوم الجمركية الأمريكية تبقى طفيفة حتى الآن، وأن الاستثمار الضخم في الذكاء الاصطناعي يضخ زخماً إيجابياً في قطاع التقنية داخل الولايات المتحدة وخارجها.
ويرى الاقتصادي البارز مارتن وولف أن العالم يدخل مرحلة “تصدّع هيكلي” تقود إلى انقسام اقتصادي بين كتلتين: واحدة تتمركز حول الولايات المتحدة، والأخرى حول الصين، فيما تجد الدول غير المنحازة نفسها وسط منافسة محتدمة، هذا التحول لا يعني نهاية العولمة، بل إعادة تشكيلها وفق قواعد جديدة للتجارة والاستثمار وسلاسل الإمداد.
عام 2026 يبدو أكثر هدوءاً من صدمات 2025، لكنه استقرار هش محفوف بالمخاطر، حيث إن التضخم يتراجع دون أن يختفي، والفوائد تنخفض بحذر شديد، والفقاعات الثلاث تعيد إنتاج هشاشة شبيهة بالأزمات الكبرى السابقة، وبينما تبقى السيناريوهات مفتوحة، يرجّح اقتصاديون أن يكون العام القادم اختباراً لقدرة الحكومات والشركات على امتصاص الضغوط قبل تحوّلها إلى أزمة عالمية.