دمشق-سانا
استعرضت المحاضرة التي استضافها المركز الثقافي في أبو رمانة اليوم ، بعنوان “انعكاس ممارسات النظام البائد على الأسرة السورية اجتماعياً وقانونياً”، ما أصاب المجتمع السوري خلال الحقبة المريرة من حكم “البعث”، وطرحت جملة من الأسئلة الجوهرية حول سبل استعادة كرامة الإنسان وحقه الطبيعي في حياة آمنة وعادلة.
المحاضرة التي نظّمتها مديرية الثقافة في دمشق بالتعاون مع الجمعية السورية لرعاية الأسرة، وحضرها محامون وباحثون وناشطون في الشأن الاجتماعي، جاءت ضمن سلسلة ندوات ذاكرة الثورة في دمشق، بهدف توثيق نضال رموزها وثوارها، وإبراز آثار سياسات الفساد والتخريب التي انتهجها النظام البائد.
اعتماد الاعتقالات الممنهجة بحق أسر كاملة
المحامية والناشطة الاجتماعية والأدبية لينا ناجي التي أدارت المحاضرة، قدمت عرضاً موسعاً حول تأثير ممارسات النظام البائد والسياسات المتبعة على الأسرة السورية منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة، وخاصة مع اعتماد سياسة الاعتقالات الممنهجة التي استهدفت أسراً بحالها، وشملت الأطفال والنساء والرجال وكبار السن دون أي مراعاة، وهو ما أدى إلى تفكيك العائلة واختفاء أفرادها وتشرد من بقي منهم، وسط حالة من الرعب والخوف وانتشار الأمراض النفسية والتداعيات الاجتماعية.

الظروف الاقتصادية الصعبة في تلك الفترة كما بيّنت ناجي، دفعت كثيراً من النساء للعمل في ظروف غير مناسبة، كما اضطر الأطفال لترك المدارس، وتعرضت أسر عديدة للنزوح والتهجير، فيما انتشر التسول وحالات فقدان الأطفال، وتزايد حالات التفريق القضائي بسبب اختفاء الأزواج، وحتى الأسر التي سافرت إلى الخارج، تداعت عليها مشكلات جمّة وخاصةً في لمّ الشمل واختلاف العادات.
ولفتت ناجي إلى خطورة المناهج التعليمية التي ارتكز عليها النظام البائد لتفتيت الأسرة، وإبعادها عن القيم الأخلاقية والدينية، لمصلحة تمجيد رموزه والقائد، كما أن المناهج صممت بطريقة لا تتناسب مع الواقع السوري.
معالجة الكوارث الأسرية التي خلفها النظام البائد
اعتبرت ناجي أن معالجة آثار هذه الكوارث الأسرية قد تحتاج إلى سنواتٍ طويلة، وتضافر جهود وزارات الشؤون الاجتماعية والعدل والتربية، مع ضرورة توفير الدعم النفسي للأطفال، وإعادة تنظيم السجون برؤية إنسانية، وتأمين فرص عمل لائقة بالنساء والمعتقلين السابقين.
استهداف بنية الأسرة السورية
المحامي ورئيس الجمعية السورية لرعاية الأسرة أحمد رزق أوضح، أن بنية وتماسك الأسرة كانت المستهدف الأول من جرائم النظام البائد، فقد عمد إلى نشر الانحلال والفساد الاجتماعي عبر تعزيز التحريض والوشايات والاتهامات بين الأسرة الواحدة، ما انعكس سلباً وتفككاً على تلاحم أفرادها، لافتاً إلى اعتماد أسلوب المداهمات الوحشية للمنازل فجراً، بغرض اعتقال الجميع.

ودعا رزق إلى ضرورة توفير الرعاية والدعم نفسياً ومادياً للأطفال، وخاصةً منهم الأيتام وأبناء الشهداء، الذين اضطروا للعيش سنوات في ظروف النزوح والمخيمات والغربة.
تقديم الادعاءات القانونية بحق مرتكبي الانتهاكات
المحامي المختص بالقانون الدولي الانساني عبد الرحمن العبد الله عرض للآثار الواسعة لانتهاكات النظام المجرم بحق المجتمع السوري، وتفكك الأسرة خلال فترة الثورة من وجهة نظر قانونية، حيث طالت الانتهاكات جميع الجوانب المتعلقة بها ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً.

وطالب العبد الله كل من تعرض لظلم واعتداء من قوات النظام أو المتعاونين معها، بتقديم ادعاء قانوني رسمي، ليصار لمحاسبة المذنب وملاحقته قضائياً، مؤكداً أن القانون سيحاسب الجميع.
شهادة مؤلمة من معتقل سابق في صيدنايا
تضمّن اللقاء شهادة موسعة قدمها المعتقل السابق محمد غسان عدنان لحومي، والذي نال حريته من معتقل صيدنايا عام 2020، وأوضح أن قوات النظام اعتقلته بعد مداهمة منزله بالزاهرة، ما أدى لدخول والده المشفى ثم وفاته، فيما تنقل هو ما بين فرع فلسطين والشرطة العسكرية، وصولاً إلى معتقل صيدنايا، إلى أن باع أخوه منزله وسيارته ودفع مبالغ مالية باهظة لإخراجه، بعد عذابٍ لا يوصف.
ويستضيف ثقافي أبو رمانة في دمشق سلسلة ندوات وفعاليات منتظمة ضمن مشروع “ذاكرة ثورة دمشق”، بهدف توثيق أحداث الثورة السورية وتجارب المشاركين فيها، وحفظ الذاكرة التاريخية، إبراز التجارب الإنسانية، وتعزيز العدالة المجتمعية.