دمشق-سانا
نظّمت مديرية ثقافة دمشق بالتعاون مع مؤسسة أيلول اليوم، ندوة بعنوان “الاعتقال السياسي والاختفاء القسري في حكم النظام البائد”، تزامناً مع الذكرى الأولى لتحرير سوريا، وذلك في المركز الثقافي ببرزة في دمشق.
وشارك في الندوة المعتقل السابق في سجون النظام البائد الناشط والمحامي محمود عيسى، ونائب مدير مؤسسة أيلول المجتمعية وجد قدور، وحضرها مجموعة من المهتمين بملف المغيبين قسراً وبعض رفاق الاعتقال، ليحتفلوا بالحرية الحقيقية التي نالتها سوريا بعد تحريرها قبل عام.
اعتقال وملاحقة لعقود من الزمن

وبدأت الندوة بسرد المعتقل السابق عيسى لمحطات الاعتقال في حياته، والتي دامت عقوداً من الزمن، على خلفية معارضته لنظام الأسدين الأب والابن ، وبين أنه ظل محروماً من رؤية مسقط رأسه في ريف مدينة “بانياس” منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلى يوم تحرير سوريا العام الفائت، و ذلك بسبب سياسات القمع و الديكتاتورية وإسكات صوت الحق و قمع الآخر التي انتهجها نظام الأسدين بحق الشعب السوري.
ويقول عيسى: إن هذه السياسات نالت من عائلته، حيث اعتقل والده وشقيقه الطبيب عام 1987 الذي عاد شهيداً بعد قتله داخل معتقلات الأسد الأب، وهو ما دفعه في بداية شبابه لمعارضة هذا النظام، فاضطر للتخفي سنوات طويلة واستخدام أسماء مستعارة، إلى أن تم اعتقاله عام 1992 وزج في السجون، حيث لقي أشد أنواع الإذلال والتعذيب ليخرج بعد سنوات، ثم التحق بالمظاهرات المناهضة للنظام البائد، مؤكداً أنه اليوم يستذكر الماضي ليس لتثبيته إنما حتى نبني مستقبلاً سورياً مختلفاً.
انتهاكات منظمة بحق الأطفال

بدورها الناشطة الحقوقية المعنية بملف الأطفال المغيبين قسراً ونائب مدير مؤسسة أيلول المجتمعية وجد قدور، شرحت للحضور انتهاكات النظام البائد بحق الأطفال من جنسيات مختلفة، حيث تم محو نسبهم وإخفاؤهم بطريقة منظمة من قبل أفرع أمن النظام البائد، بالتعاون مع دور رعاية أطفال.
وأوضحت قدور أن هؤلاء الأطفال ينقسمون بين مغيبين قسراً، ويبلغ عددهم حسب الوثائق 5300 طفل، وهم الذين فقدوا ولم يظهر لهم أي أثر، والأطفال المعتقلين الذين اعتقلوا في الأفرع الأمنية ويبلغ عددهم 3200 طفل، وهناك أطفال الإيداعات الأمنية، الذين نقلوا من أفرع الأمن إلى دور الرعاية و عددهم 400طفل.
كما أشارت قدور إلى أنه كان يتم تغيير أنساب الأطفال المعتقلين ووضعهم في دور الرعاية بأسماء أخرى، وذلك بالتعاون مع السجلات المدنية السابقة، وتغيير أعمارهم أيضاً، وكانوا يتعرضون لانتهاكات عديدة كالحرمان من التعليم ومنع اختلاطهم مع أقرانهم وترهيبهم، إضافة إلى فصل الأخوة وإلحاقهم بعوائل مختلفة، وأشارت إلى ملف التبني حيث كان يتم تسفير عدد منهم إلى الخارج وتزويج القاصرات، موضحة أنه تم إعادة عدد من المغيبين إلى ذويهم بعد التحرير، فيما بقيت مصائر الآخرين مجهولة.
التحرير يوم مفصلي في حياة السوريين
وفي حديثه لمراسلة سانا اعتبر عيسى، أن يوم التحرير هو يوم مفصلي في تاريخ سوريا و في حياة الشعب السوري، لأنه أزاح سلطة ديكتاتورية و فتح صيرورة جديدة و بداية حقبة مختلفة من عهد الحرية كما يليق بسوريا، مؤكداً أن التحرير بالنسبة له كمعتقل سابق هو ولادة جديدة، لأن الشمس والحرية لا تقدر بثمن وأغلى ما يملك الإنسان.
وفي تصريح مماثل أوضحت قدور دور مؤسسة أيلول ونشاطاتها بعد التحرير، والمتمثلة بإنقاذ العوائل المشردة ومحاربة التسول، ودعم الأفراد مرضى السرطان، إضافة إلى تبني ملف الأطفال المعتقلين والمغيبين قسراً وبذل أقصى الجهود في سبيله.
وأعرب الحضور عن أهمية ما حصل عليه السوريون من مناقشة هذه القضايا في جو من الحرية، كما استذكر البعض تجاربه أيضاً في الاعتقال، مؤكدين أن سوريا تبنى بالتعايش والسلم الأهلي بعد أن تحررت من ذلك النظام القمعي المستبد.
وتؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن عدد المعتقلين الذين لا يعرف مصيرهم يتجاوز 112 ألفاً، فيما أكدت تحقيقات استقصائية لمؤسسات إعلامية دولية، أن ممارسات النظام البائد تسببت في غياب أي آلية رسمية لتسجيل حالات الأطفال السوريين المغيبين قسراً والمعتقلين أو حتى تتبعها، ما ساهم في تعقيد هذا الملف وزيادة حجم المعاناة الإنسانية المرتبطة به.

