دمشق-سانا
قدم الباحث بهجت قبيسي في المحاضرة التي ألقاها بالمركز الثقافي العربي في أبو رمانة بدمشق، تفسيرات ورؤى جديدة حول الوجود التاريخي العربي في المنطقة، مستنداً على جملة من التأويلات والتحليلات للنقوش والأحافير القديمة.

قبيسي الذي طالما رفض كثيراً من مسلمات المدرسة التاريخية الغربية حول منطقتنا، استعرض في محاضرته اليوم محطات الوجود العربي منذ خمسة آلاف سنة حتى العصر الحديث، مشيراً إلى أن أقدم ذكر للعرب ورد في النقوش العمورية عام 2340 قبل الميلاد، وأن العروبة تمثل استمرارية حضارية وإنسانية متجذرة في تاريخ المنطقة.
وبيّن قبيسي في المحاضرة التي حملت عنوان: “العرب عبر العصور”، أن كثيراً من الدراسات الغربية اعتمدت على الروايات التوراتية التي لم تثبتها الأدلة الأثرية، داعياً إلى الاعتماد على النقوش والأحافير التاريخية بوصفها مصادر علمية دقيقة لقراءة تاريخ العرب.
العربية امتداد للغات القديمة

كما أوضح أستاذ اللغات القديمة والتاريخ القديم أن اللغة العربية بمختلف لهجاتها امتداد طبيعي للغات الكنعانية والآرامية والسومرية، وأن العديد من المفردات الدينية القديمة مثل “إيل” و”صمد” تؤكد وجود مفهوم التوحيد منذ فجر الحضارة.
وفي محور لغوي شيّق، تطرق قبيسي إلى المعنى الحقيقي لاسم “العرب”، موضحاً أن أول ذكر له ورد عام 1340 قبل الميلاد بصيغتي “عرب ملوكا” و”عرب مكان”، وأن بعض الدراسات تشير إلى أن أصل الكلمة يعود إلى “عَرَبة”، بمعنى غيمة الماء، حيث ربطت نصوص أوغاريتية الكلمة بمفهوم “راكب العربة”، ثم تطور مدلولها ليعني “حامل الماء”، مستشهداً بأمثلة عدة مثل: عربة إسماعيل: إشارة إلى ماء زمزم، ووادي عَرَبَ: أي وادي الماء.

وأكد قبيسي أن الكنعانيين لم يسمّوا أنفسهم فينيقيين، بل بني كنعان، وأن التحريف في التسمية جاء نتيجة الترجمات الإغريقية والرومانية اللاحقة، داعياً إلى تصحيح المفاهيم التاريخية وفق قراءة عربية أصيلة.
وفي ختام المحاضرة، دار حوار موسّع بين قبيسي والحضور الذي ضم عدداً من الباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي والفكري، حول تطور اللغة والهُوية العربية، ودور المحاضرات والندوات العلمية في تعميق الانتماء القومي ونشر الفكر المستنير.
وتحدث رئيس المركز عمار بقلة في تصريح لمراسل سانا بأن المحاضرة تهدف لتعزيز الوعي بالهوية العربية من خلال قراءة علمية للتاريخ، عبر استضافة باحثين ومفكرين متخصصين، لتسليط الضوء على الهوية الثقافية والتاريخية بعيداً عن القراءات غير العلمية.
يشار إلى أن محمد بهجت قبيسي باحث في لغات الشرق القديمة، حاصل على دكتوراه في تاريخ العرب وعضو اتحاد المؤرخين العرب في القاهرة، من مؤلفاته “ملامح في فقه اللهجات العربية” و”القدس في الآثار والكتابات”، ونال جوائز وتكريمات عربية وعالمية تقديراً لإسهاماته.

