الشريط الإخباري

نقانق ماكرون!!

قد لا تكون واضحة الأسباب التي دفعت إيمانويل ماكرون بشكل مباشر لوصف اتصالاته مع دونالد ترامب وسواه من زعماء العالم بأنها مثل النقانق التي من الأفضل ألّا توضح ما بداخلها، غير أن محاولة فهم تصريح ماكرون لا بد أن تقود للاستنتاج بأن الرجل يكابد حالة نفسية مُتعبة نتيجة التعامل مع ترامب، وبسبب عجزه عن تغيير أو فرض عناصر مُؤثرة تتبدل معها الحال.

ينسحب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، ويتوعد الشركاء الأوروبيين بالعقوبات ما لم يلتحقوا به، ثم يفرض تعريفات على الصادرات افتتاحاً لحرب تجارية واسعة وكبرى مع الشركاء في الغرب، وعندما يصرخ ماكرون: لن نقبل أن تكون أميركا شرطي العالم اقتصادياً، لا يتردد على مسامعه والعالم سوى صدى الصوت المَخنوق بإجراءات أميركية جديدة لا تُقيم وزناً لفرنسا ولا لأوروبا مُجتمعة!.‏

ماكرون ردد حكاية توصيف اتصالاته مع ترامب بتشبيهها بالنقانق ليس من باب التَّندر ولا من بوابة مُمارسة الانتقاد لفظاعة ما يجده من أميركا، وإنما انطلاقاً من قناعة يبدو أنها تأسست سريعاً لديه كنتيجة للقهر الذي يشعر به ويريد أن يواجهه بالحكمة التي لا يمتلكها على الأغلب، ذلك أن اقتباسه قصة النقانق من مقولة بسمارك، وتبنيه لها ووضعها في سياق تبريره مقاطعة الإعلام أو التقليل ما أمكن من الظهور تُبيّن دوافعه وحالته النفسية المُتعبة.‏

(مثلما دأب بسمارك على القول إذا أوضحنا للناس كيف تُصنع النقانق فلن يتناولوها على الأرجح، لذلك أود أن يرى الناس الوجبة جاهزة، لكنني لست مُقتنعاً بأن التعليقات التي تدور في المطبخ تساعد على توصيل الوجبة أو تناولها).. هذا ما قاله ماكرون، فهل يعكس إلا حالة يأس وعجز وإفلاس غير مسبوقة؟!.‏

تبدو فرنسا مع ماكرون أعجز. حالُها حال الدول الأوروبية الأخرى حيث لم تكن باريس مع شيراك أو ساركوزي أو أولاند أحسن حالاً، ولا ألمانيا أو إيطاليا أو حتى بريطانيا كانت في حالة مُختلفة، فالجرّافة الأميركية لم تُبق حجراً ولا أساساً في البُنيان المُتداعي والآيل للسقوط إلا واستهدفته كجذر وقاعدة، بل إنّ عدم الوثوق الذي عبّر عنه ماكرون من أنّ التعليقات الدائرة بالمطبخ لا يعرف إذا كانت تُساعد أو لا تُساعد على توصيل الوجبة أو على تناولها، يؤدي لفهم أنّ حالة العجز الأوروبي هي أعمق بكثير مما يتصوره البعض، فلا كلمة ولا رأي لأوروبا حتى بما يدور بالكواليس السياسية!.‏

هل فقدت أوروبا فعلاً القدرة على التأثير مُجرد التأثير بما يدور داخل المطبخ السياسي الذي تديره أميركا؟ هذه هي الحقيقة كما يبدو، ذلك أنه إذا كان من الأفضل ألا يُكشف ما بداخل نقانق ماكرون السياسية، فإنّ الأمر يكاد يقطع من أن الوجبة الفاسدة غير صالحة لا لأنها أميركية فقط، بل لأنها لن تكون أفضل حالاً بالمشاركة الأوروبية العاجزة حتى عن تثبيت تعليق هنا وملاحظة هناك!… وإذاً، هل هو الخراب الذي سَيَعُم؟ أم أنّ أحداً ما سيملأ الفراغ ويُعلي الصوت ويؤكد لماكرون أن تقاعد أوروبا أو جعلها مُقعدة لا يعني قبول العالم تناول وجبة النقانق الفاسدة، ولا حتى تَقبّلها على غموض ما تحتويه؟!.‏

بقلم علي نصر الله