الشريط الإخباري

«دوحة» الإرهاب..!!-صحيفة الثورة

تحتفظ زوايا السياسة الأميركية الحادة برصيد نفاقها، في محاولة ليست خافية على أحد لتمرير الزوايا المغفلة أو المظللة بانكسارات وانحناءات المشهد، حيث احتضنت أروقة «دوحة» الإرهاب، ما يفيض عن الحاجة لتعويم الإرهاب واستنساخ ما يقابله في السياسة.

فرغم ما حدث من انفراجات مرحلية موازية سلّطت الضوء على بعضها وبقي بعضها الآخر خارج التداول، يظل إرث الحقبة الطويلة التي أحكمت فيها لغة المواجهة سيطرتها على مداخل ومخارج المناخ الإقليمي والدولي بمفرداتها التصعيدية هي السائدة بحكم النفاق الأميركي ذاته، ووصلت إلى حدود المجابهة المفتوحة، وتقديم مقاربات تصل في بعض تجلياتها إلى تدوير مفاجئ للزوايا وإعادة تخندق للمواقف.‏

غير أن ذلك يبقى محكوماً بنوايا لا أحد بمقدوره الجزم بإمكانية بقائها حيث تقف اليوم، ولا أحد بمقدوره التعويل على ما يطفو منها على سطح التصريحات، بحكم أن التجارب في السنوات الماضية لا تقدم ما يشجع للتعويل على التصريحات أو لترجيح كفّة الجزم بأن المؤشرات العائمة تشكل مقدمة لتغيير نقاط المواجهة أو لتعديل في خطوط التماس المباشرة، خصوصاً بعد التسريبات المتعمدة عن انكفاء لدى بعض الأدوات هنا، تقابله استطالة لا تخلو من التورّم المرضي لبعضها الآخر.‏

على هذه القاعدة يبدو الحراك السياسي الأميركي الروسي مع ملحقاته محكوماً بعوامل ذاتية كما هو تحت ضغط العوامل الموضوعية، حيث الخطر من الإرهاب لم يعد احتمالاً متاحاً للنقاش أو الجدل، بل بات واضحاً في سلّم الأولويات كما هو في ترتيب التحديات الماثلة أمام الجميع، وأن العلاقة التحالفية مع الإرهاب وتنظيماته التي اعتمدتها دول وأطراف باتت تشكل عبئاً حقيقياً يدفع إلى الاعتقاد بأن الحاجة تملي مقاربة تعيد النظر في الزوايا الحادة القائمة، من دون أن يعني ذلك فك الارتباط نهائياً، حيث مساحة المناورة قائمة ومتاحة، وبعض تلك الدول لا تزال تراهن على هذا العامل لتدوير زوايا موقعها داخل الحراك الإقليمي والدولي.‏

على أن الوهم الذي يرافق الكثير من الطروحات يعود ليشكل عائقاً مباشراً أمام أي تفاؤل يلوح في الأفق، ويطرح الإشكالية الجديدة بصيغتها القديمة ومن البوابة ذاتها، بحكم أنها المقاربة الوحيدة القادرة على جمع مختلف الأطراف والدول لتكون في مواجهة الإرهاب، فيما الحديث الأميركي والادعاء التركي المتزامن الذي تدور في فلكه بعض المواقف والتصريحات الخليجية لا يعدو كونه ذراً للرماد في العيون تحت عناوين الغوص في تدوير الزوايا للتمترس في المربع الأول، بما فيه من نفخ في قربة الوهم.‏

ولعل التطورات المتلاحقة التي برزت كتحدّ لا يختلف فيه اثنان أمام المجتمع الدولي والدول الفاعلة فيه قبل سواها تدفع إلى الجزم ومن دون أي شك بأن مواجهة الإرهاب لم تعد تحتمل المزيد من النفاق والمداورة، وأي مجازفة بعيدة عن تلك المقاربة ستكون انزلاقاً إضافياً في الفوضى والخراب، ومرتعاً لمزيد من مشاهد تفشّي الإرهاب واتساع مساحة انتشاره وستضاعف من تكاليف مواجهته سياسياً وعسكرياً وبشرياً.‏

هذا يقود إلى تفسير بعض حالات التهافت الملموسة في سياق الحديث عن أجندة متبدّلة ومتغيّرة لدى البعض الإقليمي، تحت شعار المراعاة للعاصفة السياسية التي أملتها التطورات، من دون أن يقترن بتعديل حقيقي في التموضع السياسي، بل يجد البعض حيّزاً للغمز من الإجماع القائم على مكافحة الإرهاب لتمرير ما يعتقد أنه قادر من خلاله على طمس الفكرة أو نسفها.‏

وجاء عليها مثالان واضحان لا يحتملان التفسير، وإن كانا ملحقين بما تم تداوله في الأروقة الجانبية والعلنية لـ «دوحة» الإرهاب، وما نضح منها من عفن سياسي الأول: توقيت التسريب عن تأمين واشنطن غطاء لإرهابييها تحت مسمى المعارضة المعتدلة بالاتفاق مع تركيا، بما يعنيه من تفخيخ لأي حديث عن مكافحة الإرهاب، والثاني: ما جاء تداوله والترويج له في إطار المداورة والعودة إلى مربع النفاق بالحديث عن الحل السياسي كمدخل لمكافحة الإرهاب، بما يعكسه من محاولة محمومة لوضع العربة أمام الحصان.‏

عند هذه النقطة يبدو أن الحراك السياسي محكوم عليه بالمراوحة في المكان، ويصعب النظر أبعد من حدود تحريك لمياه راكدة ستدفع بالمتضررين من مكافحة الإرهاب إلى استجماع أوراقهم ونقاط اتفاقهم ويطوون مؤقتاً مساحات اختلافهم، فيما الاجتماعات واللقاءات ستصرف الكثير من وقتها وجهدها في الاستهلاك الإعلامي حتى إشعار آخر.‏

فمواجهة الإرهاب لا تحتمل التقسيم بين سيئ وجيد ولا تقبل الانتقائية، ولا تقوى على الازدواجية في التعاطي معه أو مع داعميه ومموليه ومنتجيه، وهي زوايا لم يعد بالإمكان إغفالها أو تجاهلها ولا حتى إعادة تدوير ما ينتج عنها.‏

بقلم: علي قاسم