الحرفة..نسب

دمشق-سانا

رحل منذ نحو ثلاثة أشهر آخر شيخ كار في سورية وهو العملاق تيسير السعدي الذي منح اللقب من محبيه ومن زملائه الفنانين بينما اللقب يعود أساسا إلى زمن الماضي التراثي الجميل حيث كان لكل حرفة دمشقية شيخ كار.

وشيخ الكار كما يقول الباحث محمد فياض الفياض مصطلح رسمي قديم يستعمل في سورية للدلالة على رتبة كبير مجموعة من حرفة معينة ويوازيها بالمصطلحات الحديثة نقيب وكان يطلق عليه في بعض الحرف لقب باشي كما في حرفة القصابين أو المعماريين.. قصاب باشي معمار باشي وهو تنظيم راقٍ جداً ويحفظ حقوق العامل والمشتري وينظمها ونجد مثلاً في البزورية شيخ البزورية في دكان خاص بين دكاكين سوق البزورية وهو محترم ويعود إليه التجار الآخرون في كل مشكلة تواجههم .

ويضيف الفياض أن شيخ الكار كان يعنى بحل مشاكل أهل الصنعة أو الحرفة المسؤول عنهم كما كان المعني بيوم الشد “وهو احتفال يقيمه شيخ الصنف  الحرفة إذا اجتهد المتدرب في تعلم صنعته واجتاز الامتحان بعد عقد مراسم خاصة وبعد أن يبرع فيها  فيقبل أمره من استاذه “معلمه” وبعدها يرفع الصانع إلى رتبة استاذ في صنعته وينتهي الاحتفال بربط محزم من النسيج أو فوطة أو منديل أو زنار من الحرير والصوف على وسط الصانع أو حول رأسه أو كتفه وهي علامة على انتظام الصانع في صنف الأساتذة.

ويضيف الفياض بعملية الشد تذكير الفرد بضرورة المحافظة على سمعة الصنف الذي ينتمي إليه ويحاول استخراج ما يدل على الخصال الحميدة حتى غدا شعارهم الصناعة نسب ولهذا لا يستغرب أن تلحق مسميات الحرف بأسماء الأعلام مثل النجار والحداد والمناديلي والاسكافي والخياط والدقاق وغيرهم إضافة إلى عائلات شيخ الصاغة وشيخ السوق وشيخ الحدادين .

ويشير الفياض إلى أن العلاقة بين أبناء الصنعة أو الحرفة كانت كعلاقة النسب وتحدثنا المصادر التراثية عن مظاهر العلاقة الوطيدة التي تجمع أبناء الحرفة الواحدة فقد يتفق الصناع على إخلاء السوق لأحدهم ولايبيعون يومهم ذاك بل يتركونه يبيع وحده حتى تفك ضائقته بأرباح ذلك اليوم أو اليومين وقد يبلغ التعصب لأهل الحرفة  حد الاقتتال بين أصنافها فقد كانت بعض الحواضر تشهد اقتتالا بين أصحاب مهنة وغيرهم من مهنة أخرى كما اعتادوا أن يتسامر كل أهل صنعة لوحدهم وللتباحث في أمور صنعتهم.

ويؤكد الباحث فياض أن التنظيم الحرفي في مدينة دمشق تميز بالتخصص وتوزيع العمل فهناك مجموعات عنيت بالإنتاج وأخرى بالخدمات أو بالتسويق وكان الحرفي يبيع إنتاجه في البازار السوق في مدينة دمشق حيث اشتهرت هذه المدينة بأعمال حرفييها المتقنة ذات العراقة والتراث الأصيل الضاربة جذوره في عمق التاريخ .

عماد الدغلي