الشريط الإخباري

جندي واجه الإرهاب لثماني سنوات واستشهد مع طفله وزوجته في عدوان إسرائيلي غادر-فيديو

دمشق-سانا

فجر الأول من تموز الجاري اجتاحت صورة الأب أنس وطفله عبد الرحمن مواقع التواصل الاجتماعي.. الضحكة التي أنارت وجه الأب وهو ينظر إلى ابنه ويتلقفه براحتي يديه أشعلت قلوب السوريين حزنا.. كلاهما الأب وولده والأم زوجة أنس قضوا في عدوان إسرائيلي غادر إلى جانب ثلاثة شهداء آخرين وأكثر من عشرين جريحا في بلدة صحنايا جنوب غرب دمشق.

الأب الجندي أنس البيات كان عائدا مع طفله وزوجته بسيارته بعد أن خرج للتنزه لوقت قصير في أولى ساعات إجازته العسكرية وفي الطريق قبل الوصول إلى المنزل في صحنايا سقط صاروخ العدوان بجوار الطريق المؤدي من صحنايا إلى جديدة عرطوز ليقضي على أسرة بكاملها كانت تشق طريقها إلى الحياة التي بداها الزوجان قبل سنة ونصف السنة من زفافهما.

في حي الميدان الدمشقي حيث ولد أنس وترعرع حتى انضم إلى صفوف الجيش العربي السوري ليقضي خدمته العسكرية الإلزامية منذ ثماني سنوات ونصف السنة يتحدث والده محمد عن استشهاد أنس 27 عاما وحفيده ستة أشهر والكنة الشابة 19 ربيعا بقوة وصلابة كابحا حزنا لا ضفاف له ويقول “أنس كان يمكن أن يستشهد على أي جبهة في خدمة الوطن .. رب العالمين اختار له الشهادة مع طفله وزوجته في هذه المنطقة”.

أنس الابن البكر لأبيه جاء بعد خمس سنوات انتظار برفقة شقيقته التوءم ثم كبرت العائلة.. بدر سنة جندي في الجيش وأربع بنات أخريات أصغرهن في الصف الثامن.. غادر أنس منزل العائلة بعد زواجه بثمانية أشهر واستقر في صحنايا وهناك استقبل مع زوجته طفلهما الأول.

ويروي أبو الشهيد تفاصيل ما جرى تلك الليلة “آخر كلام بيننا كان بعد الحادية عشرة ليلا وكنت أنتظر وصوله المنزل لاطمئن عليه.. بعد منتصف الليل سمعنا دوي انفجار قوي ابني بدر توقع أنه عدوان إسرائيلي على الفور اتصلت بأنس كان هاتفه خارج التغطية بينما هاتف زوجته يرن دون رد ما زاد قلقنا .. ركبت السيارة برفقة شقيقه بدر وقصدنا صحنايا سالكين طريق المزة الجديدة وقبل صحنايا شاهدنا مكان سقوط الصاروخ والأضرار الكبيرة التي الحقها بالمكان.. لم نجدهم في البيت سألنا الجيران قالوا خرجوا قبل العدوان”.

ويتابع أبو الشهيد.. “كانت الساعة اقتربت من الثانية صباحا توجهنا الى مشفى المواساة أخبروني أن جثامين شهيدين سيتم جلبهما من مشفى المجتهد خلال 20 دقيقة انتظرت لم يتاخروا الشهداء كانوا الثلاثة.. صدمة كبيرة .. كيف سأخبر والدته وشقيقاته.. طويت حزني وعدت إلى البيت واخذت أكتب نعوة ابني بيدي”.

“فداء الوطن ذهبوا لكن سنأخذ بالثأر من العدو الإسرائيلي” يقول أبو أنس: “إسرائيل” عدو مغتصب وإلى زوال هي ومن يدعمها مستذكرا شقيقه الذي قاتل العدو الإسرائيلي في حرب تشرين التحريرية عندما كان في صفوف الفرقة الأولى بالجيش “خدمنا البلد.. وجاهزون بأي وقت لن نبخل بقطرة دم”.

بحرقة يتحدث الأب عمن كان سنده “أنس كان محبوبا لا يزعج أحدا .. كان فرحة العمر” ويقول: “كان مناضلا قويا لا يهاب الموت.. عندما كان يتواجد الإرهابيون بالقرب من دمشق كان يقول لي يا أبي لا تقلق الجيش مسيطر ..البلد ستكون أفضل بالأيام القادمة”.

ويرى أبو أنس أن الإرهاب والعدو الإسرائيلي وجهان لعملة واحدة كلاهما لا يفرقان بين طفل وامرأة وكبير بالسن كما كان الإرهابيون يضربون القذائف عشوائيا و/إسرائيل/ تضرب بعد أن فشلوا رغم دعمها لهم.

الأب الذي يقف على أبواب الستين من عمره يرى أن “من لا يدافع عن بلده لا يستحق العيش فيه.. ابني الثاني بدر بالجيش وأنا لو طلبت لن أتردد بالذهاب”.

يعتز أبو أنس بشهادة ابنه ويرى فيها ميزة ومرتبة اجتماعية “كل البلد معك .. أنت أبو الشهيد كافية حتى تفتح الأبواب أمامك” مزهوا بعرس الشهادة لابنه يتابع.. “كان من أعراس الشهداء الكرام.. دمشق كلها حضرت ووفود من المحافظات .. تعاطف واحتضان من قيادة الجيش”.

تتشح الأم بالأسود وتصف بكبرياء كيف أنها لم تبك عندما تلقت الخبر “كان علي أن أبدو قوية أمام بناتي..” وتضيف بلوعة.. “والدهن ذهب إلى المشفى فأخذت اتصل بالأقرباء كنت أبحث عمن يمدني بالقوة لم أصمد كثيرا فقدت أعصابي ونقلوني للمشفى”.

تتابع أم أنس بهدوء كلامها.. “مع التحاق أنس بالخدمة العسكرية بدأت الحرب.. طول الوقت بالنا مشغول عليه..أول عسكري.. أول ولد يتزوج.. الفرحة الكبيرة.. كان خجولا ما صدقنا خطب وتزوج”.

تتابع أم أنس وقد تغير الحال بعد أن أصبحت أم الشهيد.. “لما كنت بالمشفى وعرفوا أني أم الشهيد الكل أحاطني بالاهتمام حتى في عزاء النساء الكل يهنيني” مفتخرة بحشد التشييع المهيب لابنها “لا تسمى جنازة .. بل عرس أحلى من زفافه.. ورثنا عزا وكرامة وسمعته الطيبة”.

شقيقات أنس يخيم عليهن الحزن بشعور من الفخر باستشهاده فيما اختار شقيقه بدر الصمت مدركا أنه فقد اخا وجنديا كان قبل أيام رفيقه في السلاح.

في حارته أبو حبل على مدخل الممر المؤدي إلى بيت الشهيد بلهفة يتحدث عدنان السيد صاحب محل أحذية.. “أنس شاب خلوق طيب” أما أبو سعيد السبعيني صاحب محل سمانة فكان يصفه بـ “الدمعة”.

على الرغم من أنه سكن صحنايا حديثا قبل ثمانية أشهر إلا أن جيرانه يتذكرونه جيدا وبحسرة يقول الصيدلاني عوض العمور “في الساعات الأولى من العدوان انشغلنا بالاطمئنان على أهلنا لكن صدمنا صباحا عندما علمنا باستشهاد أنس وأسرته كان صادقا ولطيفا”.

ويقول صاحب محل لبيع الموالح يحيى عصاصة “كان زبونا عندي شاب رائع يبكى عليه” فيما لا يصدق جاره زهير زهران ما حدث “الأمر صعب الله يصبر أهله”.

في عدوان غادر رحل أنس وطفله عبد الرحمن وزوجته تاركين أهلا وجيرانا وأحباء يتذكرونهم على الدوام وكغيرهم من الشهداء سيظلون نور الهداية لأجيال تعرف بتضحياتهم كيف تحافظ على البلد وتستعيد ما سلب منه مهما طال الزمن.

شهيدي عجيب