الشريط الإخباري

حين تحصي أميركا خسائر أدواتها..!!-صحيفة الثورة

لا تبدو جولة وزير الحرب الأميركي في المنطقة لطمأنة حلفاء أميركا كافية لنزع فتيل الهواجس المتصاعدة في الخطاب السياسي والإعلامي المتبادل، حيث فشل كارتر ووعوده في إطفاء نيران الخوف والقلق من تداعيات، ترسم هوامشها على نطاق المنطقة، مثلما تحدد ملامحها على حواف المشهد الدولي بخرائطه الجديدة.
فالمسألة لا تتعلق بوعود والتزامات يمكن لواشنطن أن تقدمها، ولا بعينات من الدعم العسكري المتفق عليها، أو التي تقترحها الإدارة الأميركية سواء التي سبقت الجولة أم تلك التي تزامنت معها، بقدر ما تعني في القاموس السياسي رحلة البدء بإحصاء الخسائر للحلفاء الأميركيين وللأدوات المعتمدة في نطاق نفوذهم السياسي، الذين اعتادوا أن يحصوا أرباحهم وفقاً لمعايير الرضا الأميركي أو تبعاً لمشاهد التوافق في كسب الجولات.‏

ورغم حالة الإغداق في الطمأنة العسكرية وما يتعلق بصفقات كانت وأخرى قادمة، فإن الهواجس السياسية ومصادر الخوف السياسي والقلق الدبلوماسي بقيت مستعرة من دون توقف، فيما القراءات الخليجية السلبية لحدود التلاقي والاختلاف مع الأميركي تشي بأن الاستدارة لم تكن في المواقف بشكل أساسي وإنما في حسابات الربح والخسارة، حيث لم يَعُدْ صندوق الربح هو ذاته ولم تعد جبهات الخسارة المحسومة هي نفسها، بدليل أن المشيخات التي اعتادت أن تمارس سياسة دفن رأسها في الرمال حين تلوح في الأفق ملامح الخسارة، تمارس سياسة الضجيج والصخب، ولا تتردد في الغمز من قناة الرئيس أوباما.‏

ما يؤكد الحالة أن خطاب الحلفاء قبل الجولة لم يختلف عما هو أثناءها، وليس هناك ما يؤشر إلى أنه سيكون غير ما هو عليه بعدها، حيث الحديث اليوم لم يعد منحصراً في تفنيد أوجه الخسارة، والغرق في ترجيح كفة هنا أو هناك، بل امتد ليشمل جوانب الخوف من المقاربة الأميركية لتحالفاتها الجديدة في المنطقة، وما يترتب على ذلك من موازين لن تكون فيها كفة الحلفاء التقليديين راجحة كما كانت عليه على مدى حقب ماضية، حيث الإحصاء السياسي لا يستطيع تجاهل معطيات الواقع وما يفرضه من إعادة تدوير للمقاربات التي بدت أبعد.. كما لم تكن في يوم من الأيام.‏

وبين هذه وتلك، تتراكم على المقلب الآخر سيناريوهات عديدة، في مقدمتها أن النزعة المتصاعدة في الاتجاه الأميركي لتقليم أظافر بعض من استقوى من تلك الأدوات أو الحلفاء لا تبدو غائبة عن الحسبان، ولا هي خارج اعتبارات أي طرح يتناول مستقبل العلاقة مع أميركا، خصوصاً بعد أن تم استدراجهم إلى حيث يصعب عليهم العودة إلى ما كانوا عليه، في وقت تؤشر فيه الأرقام الأولية إلى أن بيدر الخسارة يزداد اتساعاً كلما اتسعت حدقة المتابعة والمراقبة، أو كلما بدت هوة الافتراق في المصالح بالتسارع.‏

ما يجزم بذلك أن النظرة الأميركية إلى العلاقة القائمة بين المشيخات وعوامل تفشي الإرهاب لا ترتبط بسياق الواقع القائم فحسب، بل في تشظيات قادت إلى قناعة أميركية بأن الخطر كما هو من الداخل بالنسبة لمشيخات الخليج هو كذلك بالنسبة لأميركا ومن داخل حلفائها ومن بين أدواتها، وتلك هي المعضلة التي رأت أميركا أن الأولى بها العمل عليها قبل أن تفرضها على المشيخات.‏

قد يكون من السابق لأوانه معرفة حدود الانزياح في رحلة إحصاء الخسائر، لكنه لن يكون كذلك في معرفة وإدراك مساحة البدء بمراجعة لتراكمات العلاقة وما تعنيه في قاموس الحسابات الأميركية، حين تبدأ هي الأخرى برحلة الإحصاء لخسائرها وهي لن تكتفي حينها بما نتج من أخطائها هي فقط بل أيضاً بما علق من أخطاء حلفائها وأدواتها، وما تراكم نتيجة دعم الإرهاب وتمويله وارتدادات توظيفه.‏

بقلم: علي قاسم