الشريط الإخباري

«التخوف» التركي..!!-صحيفة الثورة

يرسم التخوف التركي من التطورات الأخيرة أحجية لم تعد أي مقاربة قادرة على فهم محاكاتها دون العبور مباشرة إلى الدور الوظيفي لحكومة العدالة والتنمية في علاقتها مع التنظيمات الإرهابية، عندما يصبح اندحار داعش عن حدودها مصدراً لقلق تركي وتحديداً من أردوغان شخصياً، في وقت يبدو العالم كله متخوفاً ومحذراً من احتمالات التجاور مع داعش.‏

وحدها تركيا دون سائر دول العالم بغربه وشرقه لا تخشى من الجوار الداعشي، ولا يجاريها في ذلك سوى إسرائيل ذلك الكيان الذي اطمأن لجوار النصرة وفتح معها خطوط اعتماد سياسي ولوجستي لم تنقطع، حيث المفارقة التي تجمع الإسرائيلي بالتركي الظاهرة الأكثر مدعاة للتأمل في الواقع الراهن، وللحديث أبعد قليلاً في سراديب السياسة وما تنتجه من شواهد صارخة على المشهد بكل ما فيه من مأساة.‏

ربما .. لم يكن أحد ينتظر أن يرحب أردوغان باندحار داعش عن حدوده، ولا أن تنتشي إسرائيل حين تتراجع النصرة وتنهزم ليس من جوارهما فقط، بل في أي بقعة وصلتا إليها، حيث أي انتكاسة تصيب تلك التنظيمات الإرهابية بكل أشكالها ومسمياتها تمثل انتكاسة لهما، بل هزيمة لمشروع يتشاركان العلاقة والدور والوظيفة الموكلة، في ظل رهان غربي على الإرهاب وعلاقته بأدواتهما الإقليمية في مسار قد يكون الأخطر.‏

ولم يكن أحد ينتظر ولا يتأمل أن تتراجع تركيا عن دعمها للإرهاب، لكن أن تتخوف من اندحاره وبهذه العلنية..!! فثمة أسئلة لم يعد من المسموح ولا المتاح تجاهلها، في وقت يصارع فيه رأس النظام التركي ويقارع هواجسه الداخلية المفتوحة على المجهول الأصعب والأخطر، في لحظة تعبّر عن مأزق سياسي يصل حد التصريح التركي والتلويح باللجوء إلى تلك التنظيمات لفرض معادلة سياسية تخرجه من ورطة الانزلاق في متاهة الأفول المبكر عن الساحة السياسية.‏

فإذا كان مفهوماً تلك العلاقة التي تربط إسرائيل بالتنظيمات الإرهابية التي جالت العالم غرباً وشرقاً دون أن تمسها أو أن تقترب من الحديث عنها، فإن العلاقة الدافئة التي نشأت بين نظام أردوغان والنصرة وداعش لم تتأثر بالخلافات البينية التي شهدتها تلك التنظيمات، ولا بالتطورات التي تبعتها والسيطرة المتبادلة على منافذ القرار فيها، وحده اندحارها وهزيمتها كان يشعل الهواجس التركية ويدفع برأس النظام إلى التحذير من النتائج والتداعيات!!‏

لا نعتقد أنه من الصعب فهم وتفسير تلك الهواجس والمخاوف التركية بالنسبة لما تشهده المنطقة، لكنه قد يكون عسيراً على الأميركي والغربي أن يبرر ذلك أو يستطيع هضم الحالة التي ستضطره لإعادة النظر في تموضع تركيا الإرهابي، خصوصاً أنه عوّل في ظروف ماضية على الدور التركي كقاطرة لقيادة وتزعم عمل التنظيمات الإرهابية، وتحولت في عهد العدالة والتنمية إلى رأس حربة في العدوان على دول المنطقة وخوض حرب الوكالة الغربية عبر التنظيمات الإرهابية.‏

في المحصلة لا يختلف التركي اليوم في مخاوفه عن الغربي عموماً والأميركي تحديداً الذي يضرب أخماس أدواته بأسداس إرهابييه من النصرة وداعش والمشتقات الملحقة بهما، لكنه يشعر بالفارق الجوهري في النتائج والتداعيات التي تطرق البوابة التركية لتكون الساحة الأخيرة لتصفية الحسابات الختامية للمواجهة.‏

فتركيا أردوغان المتخوفة من اندحار داعش تدرك بالتجربة وبالخبرة أن الإرهاب الذي رعته وأن التنظيمات التي فتحت لها أرضها وسماءها وحدودها لن تجد حضناً ترتد له أدفأ من الحضن التركي، وتلك هي المعضلة التي يبحث نظام أردوغان عن مخارج لها لا تضعه في عين العاصفة إقليمياً ودولياً، وحتى إرهابياً.‏

بقلم: علي قاسم