الشريط الإخباري

العروبة .. من “قلب لوزة”-صحيفة البعث

قد يعتقد البعض أن الكلام عن العروبة اليوم هو كلام خارج الموضوع تماماً، أو عبارة عن تهويمات، غائمة وحالمة معاً، في عصر المذاهب والطوائف، وبتعبير عربي أبلغ، عصر “الملل والنحل”.

بيد أن “هذا العصر” تحديداً وجملة الأحداث والتحرّكات في المنطقة يجعل من الكلام عنها، أمراً ملحّاً ومصيرياً في الآن ذاته، لأن ركن “المقاومة” اليوم يتمثل في الدفاع عن المشتركات الكبرى، وعلى رأسها العروبة، التي سعى الآخرون إلى التعمية عليها، والحطّ من قدرتها على الجمع، بل من حقيقة وجودها بحد ذاته، عبر خلق وعي زائف بهويّات أصغر، ليس لها سوى أن تكون هويّات أقليات محتربة فيما بينها على قضايا السماء، وهي قضايا، كما يعلم الجميع، لا حلّ لها سوى بالإلغاء الكامل للآخر جسدياً ومعنوياً، بحيث يصبح البحث عن الحماية الخارجية، طوق النجاة الوحيد، وهذا أمر يصبّ، بحسب الدلائل والوثائق المعلنة، في خدمة هدف أبعد: “يهوديّة الدولة” في إسرائيل، وهو المشروع الذي لا يمكن أن يتحقق في ظل قومية عربية جامعة، بل يحتاج لمحيط مذهبي متنافر متصارع، ومَنْ أَفضل من “القاعدة” بفرعيها، “داعش” و”النصرة”، والنخب السياسية والثقافية المشتراة والمستفيدة، لأداء هذه المهمة.

والحال فإن الشواهد، على الأحداث والتحرّكات، أكثر من أن تُعدّ وتُحصى، وآخرها مجزرة “قلب لوزة” والهجوم على السويداء، وما لحقهما من محاولة استغلال وتوظيف “إسرائيلي”، ولبناني..!!، بالإضافة إلى الكلام “الملكي الهاشمي” عن واجبه..!! في حماية عشائر الأنبار و”عشائر سورية”، ولنتذكر أنه صاحب نظرية “الهلال الشيعي” التحريضية، والأهم من كل ذلك، مسار طيران “تحالف أوباما” الذي لم يعد سراً أنه يرسم، بوعي وإدراك، تحرّكات تنظيم “داعش” على الأرض، عبر مهاجمته في مناطق، و”غض النظر كليّاً عنه في مناطق أخرى”، كما لم يعد سراً أن الطيران ذاته يرعى ويغطي تحركات فصائل انفصالية معينة، في العراق وسورية، تسعى لترسيم وتأكيد حدودها القادمة.

بهذا الإطار فإن استعادة فكرة العروبة، هي الطريق الوحيد للمواجهة، لأنّها الفكرة الجامعة الوحيدة لمكوّنات مختلفة ومتعددة لا يمكن أن يجمعها سواها، فكرة يمكن لها أن تتخطى الأعراق والأديان والمذاهب المختلفة، أو ما تسمى بالموحّدات الصغرى، لكن، وهنا لبّ الكلام، بشرط تجديدها وإعطائها صبغة هجوميّة لا دفاعيّة، عبر التركيز على الحاضر والمستقبل، أكثر من التغني بالماضي، وربطها بمفاهيم العصر، مثل المواطنة والحداثة والديمقراطية والعلمانية، كما يجب أن ترتبط، ما دمنا في عصر السوق، بمفهوم الحاجة والمصلحة، أكثر من مفاهيم القدر والحتمية، فالعروبة ليست مثالاً خارجياً مفارقاً معطى للعرب مرّة واحدة للأبد، وليست قيمة كامنة في طبيعتهم، بل لا بد من إعادة إنتاجها في كل مرة يفرض فيها الأمر نفسه.

وفي هذا السياق تبرز الحاجة إلى وسائل إعلام واتصال فاعلة تواجه الضّخ الإعلامي المعادي، عبر تقديم خطاب إعلامي عروبي مكثّف وسريع وموضوعي وجذّاب وذي مصداقية، يستثمر كل بادرة أو عمل لإعلاء شأن العروبة وتبيان فوائدها، مثل حقيقة أنه “في معركة القلمون اختلطت الدماء اللبنانية والسورية دفاعاً عن الأمة في وجه المشروع التكفيري”، كما يعمل على فضح انحدار دعوة النخب السياسية والفكرية، الخائن بعضها، والخائف بعضها الآخر، من الدفاع عن الدولة ـ القطر فقط، إلى الدفاع عن الدين ثم الطائفة ثم المذهب، وصولاً إلى المدينة والحي الواحد..!!. وحتى فضح دعوات الحياد التي نسمعها هنا وهناك.

مرة أخرى، قد يعتقد البعض أن هذا الطريق غائم وحالم، بيد أن تنكّب السير فيه نظراً لوحشته “وقلة زاده” عند البعض، ورومانسيته وماضويته ومفارقته للعصر عند البعض الآخر، لا يعني سوى السير في الطريق المؤدي إلى عصر “ملوك الطوائف”، حيث “الإفرنج يجوسون المدينة شاهري السيوف، لا يشفقون على أحد، حتى على الذين يتوسّلون الرحمة”، كما نقل مؤرّخ قروسطي عن شهود عيان لما حل بالقدس في 15 تموز 1099.

بقلم: أحمد حسن