الشريط الإخباري

سوريون يبلسمون جراح الأطفال المتضررين من الزلزال

حلب واللاذقية-سانا

رغم المشاهد المؤلمة للموت والدمار التي شهدها العالم عبر القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي جراء الزلزال المدمر الذي ضرب سورية في السادس من شباط الماضي لا يزال العالم يشهد قصصاً مذهلة عن الشجاعة والإيثار والعطاء، ومد يد العون والمؤازرة للسوريين المتضررين في المحافظات المنكوبة، تشكل نماذج ملهمة في الإنسانية، وتعكس قيماً أخلاقية يحتذى بها.

ومع أن مأساة الزلزال التي أدت إلى وفاة 1414 شخصاً، وإصابة 2357 وفق إحصائية وزارة الصحة في سورية، تضمنت ضحايا من مختلف الأعمار إلا أن الأطفال الذين نجوا وكان لهم الحظ في الحفاظ على حياتهم شكلوا الشريحة الأكثر تضرراً جراء الآثار النفسية السلبية التي تعرضوا لها من هول هذه الكارثة، لكنه وبفضل جهود المحيطين بهم، ومد يد العون لهم برز بصيص أمل جديد أمامهم للانطلاق بحياتهم مجدداً.

قصص إنسانية تهز الوجدان وروايات تأسر القلوب عن أطفال فقدوا عائلاتهم أو أصيب أهاليهم إصابات بالغة جراء الزلزال كادت تسدل ستاراً أسود على حياتهم، لكنهم نهضوا من جديد بكل شجاعة وإيمان بفضل مؤازرة ومساندة أقاربهم أو جيرانهم أو معارفهم الذين يمتلكون أيادي بيضاء وقلوباً يملؤها الشغف نحو الإنسانية والحب والتعاضد، ليؤكدوا للعالم أجمع أن الفسيفساء السورية التي برزت بهذه الكارثة ستتمكن من تجاوز كل الصعوبات والمحن لرسم مستقبل أفضل.

ومن بين القصص القادمة من تحت الركام حكاية الطفلين محمد وأحمد أوبجي من حلب اللذين أحاطتهما السيدة أم محمد بحب وحنان ورعاية والدية كبيرة، عوضتهما فيها عن تغيب أمهم المصابة جراء الزلزال بإصابات بالغة في العناية المشددة لتعكس بذلك أسمى أنواع العلاقات الإنسانية التي تربط أبناء المجتمع السوري فيما بينهم.

أم محمد القادمة من منطقة الباب بريف حلب للعناية بطفلها الذي تعرض لكسرين في الجمجمة جراء الزلزال، ويرقد في مشفى حلب الجامعي بينت لمراسلة سانا أنها وبسبب مكوثها الطويل مع طفلها في المشفى لاحظت وجود الطفلين محمد وأحمد وحيدين دون أمهما كونها ترقد بالعناية المشددة في مشفى آخر بالمدينة، فيما يرقد والدهما أمامهما مصاباً دون حراك لتشعر بالمسؤولية تجاههما وتتعاطف معهما كونها أما وتعرف شعور الطفل في غياب أمه.

وتقول أم محمد: “تعلق الطفل الصغير ذو الـ 5 سنوات والذي يعاني من مرض التوحد بي جداً وكأني أمه، وأنا بالتالي أبادله نفس المشاعر لجهة الاهتمام والرعاية والنظافة والإطعام والحنان”، مضيفة: أعتني بالطفل الأكبر كذلك رغم أنه غائب عن الوعي في أغلب الأحيان.

ولفتت إلى أن الطفلين وجدا فيها الحب والعطف والحنان الذي اختفى منذ ليلة الزلزال مع والدتهما التي لا يعرفان عن وضعها الصحي شيئا بسبب مكوثها في مشفى آخر لتظهر لهما كل الحب والتعاطف بالمقابل، مؤكدة أن “فزعتها” هذه تجسد لهفة السوري نحو أخيه السوري، وتعكس القيم الأخلاقية التي تربى عليها السوريون، كالتعاضد، ومد يد العون للمحتاج، وإغاثة الملهوف.

وفي اللاذقية تجسدت أسمى المعاني الإنسانية والروابط الأسرية من خلال تبني عائلة أبو مصطفى المهجرة من ريف إدلب للطفل أمير ابن أخت زوجة أبو مصطفى، والتي قضت في الزلزال إثر انهيار البناء الذي كانت تقطنه والذي أدى إلى وفاة الأم والأب والشقيق الأكبر إبراهيم، فيما لم ينج من العائلة إلا أمير وأخوه عادل البالغ من العمر 16 عاماً.

وخلال زيارة مراسلة سانا لمنزل أبو مصطفى بمنطقة الرمل الجنوبي في اللاذقية بين أن عائلة عديله توفيت بالكامل، ولم ينج منها إلا عادل الذي تعرض لكسر متبدل في ساقه، وأمير ابن الأربع سنوات والنصف والذي قرروا تبنيه مع أطفالهم.

وقال: “إن العائلة اتخذت هذا القرار لأن أميراً معتاد عليهم كثيراً، وانطلاقاً من الشعور بالمسؤولية والواجب الإنساني تجاهه”، مؤكداً أن أميراً بات فرداً من أفراد عائلته، ولن يتخلى عنه مهما كانت الظروف وسيكرس جل وقته للاهتمام به وتعليمه.

بدورها أم مصطفى أشارت إلى أن تبني أمير يجسد استمراراً لعائلة أختها الوحيدة، ويعكس القيم الأخلاقية التي تربط أبناء المجتمع السوري انطلاقاً من الأسرة، مؤكدة أنها لن تفرق بينه وبين أبنائها فهي تستمد منه الصبر والقوة وستحاول تعويضه عن الألم الذي عاشه نتيجة فقدان عائلته، مبينة أنها تأخذ أميراً معها باستمرار للاطمئنان على وضع شقيقه عادل الصحي كونه كان في المشفى، وتنتظر أن يتعافى تماماً لتجمعهم مع بعضهما مستقبلاً.

وللحديث عن الآثار النفسية الناجمة عن فقد الطفل لأحد والديه أو كليهما وكيفية مساعدته على تجاوزها بينت الأخصائية النفسية نسرين عباس أن الطفل يتعامل مع مشاعر الفقد التي نتعامل معها بكل ما فيها من قسوة وألم، لكنه لا يمتلك القدرة ولا المهارات اللازمة للتعامل معها كالكبار، حيث يحتاج إلى المساعدة لتعليمه الطرق الصحية للتعبير عن آلامه والتعامل معها والتعافي منها بطريقة صحية.

ونصحت عباس بتشجيع الطفل على التعرف على مشاعره وتسميتها والتعبير عنها عن طريق إخباره أنه من الطبيعي أن يشعر بالحزن أو الغضب أو الارتباك أو الوحدة، وتقديم متنفس له ووسائل أخرى للتعبير مثل الرسم وصنع دفتر قصاصات لذكرياته مع الشخص المتوفى أو تصفح صوره الفوتوغرافية أو حكاية القصص عنه.

كما دعت إلى الحديث مع الطفل عن موضوع ما بعد الموت عبر التأكيد أن الشخص ذهب إلى مكان أفضل، وأن الميت يظل حياً في قلوب أحبائه، مبينة كذلك ضرورة التعامل مع مشاعر الذنب والقلق لدى الطفل عبر إيصال الفكرة اللازمة له بأنه غير مذنب أو مسؤول عما حدث، والتأكيد له أن استكمال الحياة بصورة طبيعية ليس خيانة لذكرى المتوفى أو عدم إخلاص له، ومنحه ما يحتاج إليه من محبة وأمان مع التأكيد أن هناك من سيعتني به وعند الفشل في استخدام الطرق السابقة يجب اللجوء للعلاج النفسي عند الطبيب.

وكان تقرير اللجنة العليا للإغاثة في سورية بين أن عدد الأسر المتضررة المسجلة جراء الزلزال بلغ 91794 أسرة، بعدد أفراد 414304، فيما بلغ عدد المباني غير الآمنة للعودة وغير القابلة للتدعيم 4444 مبنى، والتي تحتاج إلى تدعيم لتصبح آمنة للعودة 29751، والآمنة التي تحتاج إلى صيانة 30113 مبنى.

سكينة محمد

متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgency

انظر ايضاً

زلزال بشدة 6.7 درجات يضرب جنوب الفلبين

مانيلا-سانا ضرب زلزال بلغت شدته 6.7 درجات على مقياس ريختر جزيرة مينداناو جنوب الفلبين اليوم. …