معبد الإله ملكارت..معتقدات قديمة لا تزال موجودة حتى عصرنا الحاضر

طرطوس-سانا

في الجانب الغربي من تل عمريت الأثري في مدينة طرطوس وعلى بعد نحو2 كيلومتر تقريبا عن شاطىء البحر يتوضع معبد عمريت ويحده من الشمال نهر عمريت ومن الشرق نبع ماء مقدس كان يصب ضمن بحرة موجودة في الموقع في تلك الحقبة التاريخية ويرجع بناوءه إلى الفترة الواقعة بين القرن الخامس والرابع قبل الميلاد.

والمعبد منحوت ضمن طبقة صخرية طبيعية بمخطط على شكل مربع وتم تفريغ الداخل لإنشاء بحرة يتوسطها هيكل مركزي مرتفع فوق مستوى الماء ويرتكز على صخرة تم الحفاظ عليها لهذه الغاية كما يقول المهندس مروان حسن رئيس دائرة اثار طرطوس في الوصف المعماري للمعبد.

ويشير إلى أنه يتم الوصول إلى البحرة عبر مدخل كبير من وسط الجهة الشمالية للمعبد حيث يحيط به من كل جانب مدخل على شكل برج مؤلف من طابقين لافتا إلى وجود درج هابط داخل البحرة أما المداخل الجانبية فتفضي إلى الأروقة المحمولة على أعمدة والتي تحيط بالبحرة وتطل عليها موضحا أن هذه الأروقة كانت تستخدم للمرور حول البحرة والهيكل المركزي كما يحيط بالرواق قناة مائية لتوزيع المياه عبر أقنية فرعية تنتهي برؤوس سباع منحوتة يتدفق الماء من أفواهها في الحوض كما تم افتراض وجود قوارب صغيرة كانت تستخدم لكبار رجال الدين لإتمام الطقوس الدينية والوصول إلى الهيكل المتوضع وسط البحرة.

وأضاف رئيس دائرة آثار طرطوس أنه تم تشذيب جدران البحرة الجانبية بشكل عمودي وجهزت لاستقبال الماء من مسافات بعيدة وتوجد قناة تصريف مائية في الزاوية الجنوبية الغربية من الحوض مبنية بالحجارة المنحوتة لها فتحات تهوية تمتد حتى مسافة 500 متر كما تم حفر خزان ماء بالقرب من المعبد لحاجات العبادة والطقوس الأخرى ويعتقد أن المصدر الرئيسي لتغذية البحرة بالماء كان النبع إلى جانب مياه الأمطار.

ولفت حسن إلى أن المياه كانت تحيط بالهيكل الذي يقع في مركز البحرة والذي كان يضم أيضا تمثال الإله ملكارت ولا يزال الهيكل حتى الوقت الحاضر في مكانه ويفترض أن هذا الهيكل كان موجودا في البداية قبل البحرة وأنه كان يستخدم في عهد الأخمينيين ومن ثم تم الحفاظ عليه ودمجه مع المعبد الجديد بعد حفر البحرة وبناء الأروقة حولها من الجانب الجنوبي والشرقي والغربي محمولة على دعائم مفتوحة باتجاه البحرة ومسقوفة بواسطة بلاطات حجرية ويعلوها أيضا عناصر حجرية مزخرفة على شكل مسننات كانت تطل على البحرة موضحا أن هذا العنصر الزخرفي عرفت أمثلته في أغلب مواقع العراق وبلاد الشام و مصر الآثرية.

وأضاف أن المعبد كان مكرسا للإله ملكارت الشافي من الأمراض وقد تم دمجه لاحقا مع عبادة هرقل وهذا الإله معروف في أنحاء مختلفة من المنطقة وصولا إلى تدمر لافتا إلى أن أولى الكتابات التي عثر عليها وتذكر اسم الإله هي التي عثر عليها ضمن القناة وترجمة الكتابة هي” في يد الإله ملكارت” وفي أرواد عثر على كتابة يونانية تشير إلى ملكارت مع هرمس مبينا أنه تم تمثيل الإله بوضعية الوقوف والقدم اليسرى تتقدم أكثر للأمام من القدم اليمنى واليد اليمنى تمتد بمستوى الكتف بينما تنسدل الأخرى نحو الأسفل ملاصقة للجسد.

وأوضح رئيس الدائرة أنه في هذا التمثيل يرتدي الإله قميصا طويلا وحول خصره حزام كذلك نجد حول الرقبة جلد أسد قوائمه تظهر فوق الصدر وهو رمز هرقل أما فيما يخص الوجه فنجده ملتحيا وفوق الرأس عمرة دائرية الشكل مشيرا إلى وجود العديد من الكتابات التي تذكر ملكارت في فلسطين ولبنان وهو معروف أيضا على أنه إله البحر وإله الخصب .

ويضيف إن النصوص المكتشفة في الموقع لم تقدم معلومات عن الطقوس التي كانت تمارس في المعبد إلا أنه تم العثور على العديد من اللقى والأواني التي كانت تستخدم لأجل هذه الغاية منها أوان فخارية كانت تستخدم لنقل المياه المقدسة وأوان لحرق البخور إضافة إلى اكتشاف ثقوب في زوايا أعمدة الأروقة والغاية من هذه الثقوب أن يقوم المريض بوضع إصبع يده فيها أو أن يعلق فيها بعض النذورات الخاصة كي يشفى من مرضه .

وأشار حسن إلى أن الآثاريين وجدوا أن هناك تشابها كبيرا بين معبد عمريت ومعبد منبج وخصوصا ما يتعلق بالبحرة المقدسة ومياهها وقد ذكر لوسيانوس السمسياطي أن الطقوس التي كانت تمارس في المعبد و البحرة المقدسة متشابهة ولا سيما أن هناك تشابها حتى الوقت الحاضر في الطقوس والمعتقدات الموجودة حاليا مع ما كان سائدا في العصور القديمة .

غرام محمد