الشريط الإخباري

الرصاصةُ لاتزالُ في جيبي

تناول الروائي المصري المبدع إحسان عبد القدوس في روايته «الرصاصة لاتزال في جيبي» حقبةً تاريخيةً مهمةً في التقويم السياسي والوجداني العربي، استطاع من خلالها تحقيق فعل البلاغة من حيث الحضور الفصلي، إذ كانت الرواية مؤلّفة من قسمين، قسمها الأول بعنوان «الرصاصة في جيبي» كتبه عبد القدوس أثناء معارك حرب الاستنزاف، بينما كتب قسمها الثاني بعد انتصار حرب تشرين التحريرية، وكلّلها بالعنوان الأشمل «الرصاصةُ لاتزالُ في جيبي»، اختصر فيها الكاتب والأديب النهج القومي والبطولي في عبارة واحدة، فكان لسانه ناطقاً بحال الشعب الأبيّ والمقاوم والمستعدّ دائماً لمقاومة المعتدي والمحتلّ ودحره عن أرضه.

رواية عبد القدوس من حيث رمزيتها وبطولات شخصياتها الفردية، استطاع جيشنا العربي السوري الباسل محاكاتها تماماً، وتحقيق البطولة الجماعية الأسطورية أمام مسرح عالمي تواطأت فيه الأغلبية العظمى من الدول الغربية التي قدّمت الحرب على سورية بتداعياتها اللاإنسانية نصاً تجارياً وسيناريو ينتظرون منه الربح المطلق، فكانت الحرب الإرهابية على سورية بهدف تحقيق مصالح هذه الدول وأجنداتها الجيو-سياسية بزعامة أمريكية، حربٌ لعب فيها الغرب دور «الكومبارس» والممثل المساعد، أما أردوغان فقد «دحش» نفسه في النص «دوبليراً»، لكن عقله لم يحمله، وأضغاث أحلامه جعلته يظنّ أن السيناريو يحتمل وجود شخصية سلطان عثماني ليست في الحقيقة إلا في عين أناه المتورّمة بحلم «الخلافة»، شخصية لطالما حلم بلبس عباءتها.

هذا الـ«أردوغان» الذي لم يستطع الفصل بين كونه رئيس نظامٍ لتركيا، وخلفيته الإخوانية بسلوك متناقض كاذب لا أخلاقي أجاد فيه سياسة الرقص على الحبال، مرّةً باتجاه أوروبا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حيث لاقى السقوط ولم تنجح مساعيه، ومرّةً باتجاه الشرق متخذاً من تنظيم «الإخوان المسلمين» الدموي قاعدة عبورٍ له، غضّ عنها الساسة الأمريكان البصر، وقدّموا له الدعم مادامت سياسته الإرهابية تخدم مصالحهم, وتسهمُ في نشر الفوضى الخلّاقة الصهيو-أمريكية.

أردوغان الإخوانيّ المتشدّق، خطابياً، بمعاداته للكيان الصهيوني، على الرغم من أن تركيا تعدّ أول دولة إسلامية تعترف بالعدو الصهيوني عام 1948، وتعدّ «إسرائيل» واحدةً من الأسواق العشرة المهمة لها.

أردوغان المنافق والصفيق الذي يجتهد لتقديم نفسه (خليفةً للمسلمين) في مواجهة «إسرائيل»، بينما علاقاته الاقتصادية والسياسية معها في أوجها، وعقودها موثّقة في دروج ساستها وحيةً على أرض الواقع.

إن لعب أردوغان دور «الدوبلير» على الساحة الإقليمية ضخّم مطامعه وأحلامه البائدة، فكان الوكيل، وشارك في الحرب الإرهابية على سورية رأسَ حربةٍ للمشروع الصهيو-أمريكي، داعماً أدواته الإرهابية ومرتزقته، وحين لاقت هذه الأدوات الهزيمة على يد الجيش العربي السوري ثار جنون العَظَمَة لديه، فدخل الميدان السوري أصيلاً، بدل أن يكون وكيلاً عن الإرهابيين، دخل محتلاً وغازياً, يرتكب جرائم حرب بحقِّ سورية وشعبها، ويتشدّق بأوهامه وافتراءاته وأكاذيبه من على المنابر بـ«عنتريات» وفقاعات صوتية لا يستطيع إلا أن يتراجع عنها رغماً عنه، إذ ليس هو إلا صبيّ سياسات توسّعية كرتونية أمام قوة الحقّ، ودولة لا تقبل المساس بسيادتها وثوابتها، وستدحر أطماعه بمقاومة شعبها وبسالة مؤسستها العسكرية، وليعلم أردوغان ومَنْ وراءه أياً كان أنه بعد تحرير كلِّ شبر من الأرض السورية، ستبقى الرصاصةُ في جيب الشعب العربي السوري، يطلقها وقتما يشاء.

محمد البيرق