الشريط الإخباري

الخط الأحمر!!!

يتداول الكثير من المهتمين بالشأن العام مصطلح «الخط الأحمر» في الدفاع عن آرائهم تجاه القرارات والتشريعات الجديدة لدرجة وصل فيها هؤلاء إلى تعميم هذا المفهوم على كل شيء خلافا لمبدأ «الحرية والمسؤولية».

آخر حملات الخط الأحمر تلك التي تناولت قراري وزارة التجارة الداخلية بمنع المخابز الخاصة بالدرجة الأولى من العمل والبيع من منتصف الليل وحتى الخامسة صباحاً والآلية الجديدة للهيئة الناظمة للاتصالات والبريد لتقديم خدمات الانترنت الثابت من قبل مزودي خدمات الانترنت. إن الرابط بين القرارين من حيث الشكل بعيد جدا ولكن في الواقع كلاهما يتفقان في تقديم خدمة أساسية وجوهرية للناس، الأولى طبيعتها غذائية والثانية فكرية ترفيهية، والقلق الذي أبداه الكثيرون بموضوعية والتأكيد على استمرار الخدمتين أمر طبيعي ويجب على الحكومة أخذه بمنتهى الجدية.  المتابع لتفاصيل الآراء والتعليقات على قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على وسائل التواصل الاجتماعي يستشف منها أن هدف القرار ليس منع حالات التلاعب وسرقة مادة الطحين حسب ما أوردت الوزارة في قرارها بل حرمان المستهلكين من الخبز، وتالياً الذهاب باتجاه رفع أسعار هذه المادة المدعومة من الدولة وهذا ما نفته الوزارة بشكل قاطع  .

أما فيما يتعلق بآلية توزيع خدمات الانترنت فتم تجاهل تبريرات الجهة المعنية وحصر الغاية بتحصيل ربح إضافي، وهو ما يعد هدفاً للهيئة بالإضافة إلى دورها في توفير أفضل وأسرع خدمة. وهنا تتحمل المؤسسة مسؤولية انعدام الثقة بينها وبين المشترك الذي في الأساس لا تصله الخدمة بالسرعة والسعة التي يدفع ثمنها، وكان الأجدى أن يؤجل القرار الى حين تمكن الهيئة من تحقيق النوعية في الخدمة.  إن الدولة في مثل هذه الظروف العصيبة تعمل على توفير المواد الأساسية للمواطنين وسن القوانين التي تضبط عملية إيصالها إلى المستهلكين، ولكن ليس صحيحا تحميلها المسؤولية الكاملة عن منع حالات التلاعب والسرقة بالمواد الأساسية للمجتمع وعدم الإدارة الصحيحة لاستهلاك الخدمات والمواد التي تقدمها وهنا يكمن الخلل في منطق رافعي شعار «الخط الأحمر».

من المفترض أن إصدار القرار والآلية المذكورين جاء بعد إدراك وزارة التجارة عجزها عن منع التلاعب وسرقة هذه المادة، وهذا يعكس قصورا في آليات متابعة المخابز ومراقبتها والضوابط القانونية لهذا الفعل الذي يمس بأمن المجتمع الغذائي. وكذلك الأمر بالنسبة للهيئة الناظمة للاتصالات فإن القرار جاء بغية تأمين خدمة أوسع وأسرع وتلافي آلية سابقة لم تعد تلبي هذا الغرض .

لست في مقام الدفاع عن مبررات القرارين ولكن كما أن توفير مادة الخبز خط أحمر فيجب أن تكون سرقة المواد الأولية لهذه المادة خطاً أحمر، والاستهلاك غير الصحيح لها خطاً أحمر، وبيعها كعلف للحيوانات خطاً أحمر، والمتاجرة بها في السوق السوداء خطاً أحمر… وايصال خدمة الانترنت الى كل المشتركين بسرعة واحدة خطاً أحمر…الخ. وكذلك الأمر يجب أن تكون مساعدة الدولة في توفير المواد الأساسية خطاً أحمر، والالتزام بالقانون على كل المستويات خطاً أحمر والإبلاغ عن المتلاعبين خطاً أحمر والاستخدام الخاطئ للانترنت خطاً أحمر، وعدم إطلاق الأحكام ومجاراة الحملات المعادية خطاً أحمر وخاصة في ظروف الحرب الإرهابية التي تتعرض لها سورية. منطق الخط الأحمر ليس التزاماً على الدولة كسلطة وإنما على المستهلكين أيضاً، وفي حالة منع المتاجرة بالمواد والخدمات الأساسية يلعب المواطن دوراً متقدماً على الحكومة التي ليس بمقدورها القيام بهذه المهمة لوحدها وبشكل منفصل.

في الكثير من الأحيان يلعب القصور المؤسساتي في دراسة تقديم المواد والخدمات الأساسية بالشكل الأمثل والاعتماد على المبادرات الفردية والارتجالية وغير المحسوبة دورا كبيرا في تشكيك المستهلكين بأي قرارات جديدة، ولكن هذا لا يبرر لأحد أن يعفي نفسه من مسؤولية «الخط الأحمر» والذي يجب ان يحصر في المصالح العليا والقومية للدولة وليس له صلة بتفاصيل الحياة اليومية للدولة بمؤسساتها وشعبها.

أحمد ضوا