لا شك في أن قمة العشرين الأخيرة في أستراليا أطلقت رصاصة الرحمة على حلم «الشراكة» لدى روسيا، حيث أكدت القمة أننا فعلاً في أتون حرب باردة جديدة، فالخطاب الهجومي لأوباما هو من أدوات الحرب الباردة وبالمقابل عودة بوتين إلى بلاده قبل انتهاء المراسم هو احتجاج مهذب على تأجيج أوباما «لنيران» الحرب الباردة..
«نحن لم نبدأ هذه الحرب» قالها بوتين صريحة في لقائه قبل فترة مع باحثين من الغرب الأطلسي مهتمين بالشؤون الروسية، وفي تصريحاته الشهيرة في سوتشي قال: إن من يدّعون أنهم منتصرون في الحرب الباردة السابقة يريدون نظاماً عالمياً يناسبهم فحسب.
السؤال الذي يطرح: هل انتهت الحرب الباردة القديمة بأدواتها المعهودة حتى تقوم حرب باردة جديدة؟ من حيث المنطق كل حرب ينبغي أن يكون فيها طرفان أو أكثر، وهي تنتهي عندما يغير الطرفان كلاهما أدوات التعامل البيني حتى لو كان هناك منتصر وخاسر، هذا منطق كل حرب، ساخنة كانت أو باردة.
فبعد الحرب العالمية الثانية – مثلاً – خرجت الولايات منتصرة على اليابان وألمانيا وإيطاليا، لكنها قامت فوراً بتغيير سياسات وأدوات تعاملها مع الدول المهزومة ما أكد عندها أن الحرب فعلاً انتهت..
قصة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي لم تنتهِ لأنها اقتصرت على تغيير التعامل من جانب واحد هو روسيا التي ورثت الجزء الأهم من الكيان السوفييتي، أما الطرف الآخر فقد حافظ على أدوات الحرب الباردة كلها وزاد عليها مجموعة من الحروب العدوانية الساخنة في العراق وأفغانستان وليبيا وسورية، وإن كان لكل ساحة أدواتها ومفاعلاتها..
إن أهم أدوات الحرب الباردة وجود الأحلاف العسكرية وروسيا ألغت حلف وارسو ما يعني أنه لم يعد هناك حاجة «للناتو»، لكن واشنطن عززت دور حلفها وطورته أفقياً عبر التمدد نحو دول جديدة باتجاه الشرق الروسي، وعمودياً عبر الدرع الصاروخية وغيره من مشاريع التسليح.
الأداة الثانية جيو سياسية وهي مفهوم التطويق. لم ينته التطويق الأطلسي بعد زوال الاتحاد السوفييتي بل ازداد الطوق ضيقاً باتجاه الحدود الروسية سواء من الجنوب «أفغانستان» أو من الغرب «ناتو».
الأداة الثالثة وهي الحروب بالوكالة، وهي حروب يذهب ضحيتها آلاف البشر الأبرياء ويتهدد استقلال دول مستقلة. وهذه الحروب ازداد عددها وتصاعدت أدواتها بما في ذلك الارتزاق الإرهابي والارتزاق السياسي (مثلاً ائتلاف اسطنبول) بحيث يموت الآلاف وتدمر المدن من دون ان يخسر جندي أمريكي واحد حياته.
الأداة الرابعة هي توازن الرعب والتوازن المتوتر وهو ما ازداد في الآونة الأخيرة بعد تعزيز الضبط السياسي للناتو وتطوير ترسانته العسكرية.
الأداة الخامسة هي الاستهتار بالقانون الدولي- مبادئه ومقاصده- وتعزيز ممارسات الهيمنة والتدخل باعتبارها المعايير الوحيدة لتقييم القضايا الدولية.
إن حلم الروس بالشراكة –خاصة بعد انهيار الخلاف الايديولوجي مع الغرب- ما زال حبيساً في صدور التمني والرغبة أمام واقع الاستعمار الحديث الذي لا يفهم سوى لغة الحرب- باردة كانت أم ساخنة.
صحيفة تشرين