رسام الكاريكاتير عبد الهادي الشماع: الأزمة ستولد جيلا جديدا من الرسامين

دمشق-سانا

لم يبحث رسام الكاريكاتير عبد الهادي الشماع يوماً عن الشهرة والأضواء رغم امتلاكه موهبة استثنائية في فن الكاريكاتير وقدرة كبيرة على ملامسة نبض الناس وتقديم ما يفكرون به عبر لوحاته المعبرة.

وعن عمله الطويل في فن الكاريكاتير وطريقة استنباطه للأفكار يقول الشماع في حديث خاص لـ سانا الثقافية إن أي شخص يمكنه بنظرة إلى الواقع الذي نعيشه أن يعي الكم الكبير من السلبيات التي تحيط بنا لكن اختيار الموضوع بالنسبة لرسام الكاريكاتير يخضع لعملية ذهنية تحتاج إلى عمق في التفكير وهي محكومة في المستوى البسيط بالموقف الحالي من حدث ما يجري أو خبر جديد وما يلمع حينها في ذهن الرسام من صورة تتوافر فيها المفارقة الساخرة أو الموءلمة أحياناً حينها يتدخل الوعي في محاكمة جودة تلك الفكرة ومعالجتها أو تقويمها.

وعن الفرق بين لوحة الكاريكاتير في صحيفة يومية وغيرها المعدة للمعارض يشير الشماع إلى أن للعمل مع الصحيفة اليومية إيقاعه الزمني فما ينشر اليوم قد لا يكون مناسباً للغد ويقول..لا شك أن هناك التباسا بعلاقة الكاريكاتير السوري بالصحف اليومية فقد جرى تعميم صيغة الكاريكاتير الخالي من التعليق على أنها الصيغة المثالية للكاريكاتير وهذا التعميم صحيح شريطة مواءمة ذلك للأحداث اليومية التي تجري.

ويوضح الشماع أن الكاريكاتير في الصحيفة اليومية عليه أن يراعي إيقاع الحياة المقسم زمنياً لدى المطبوعات والقراء على حد سواء.. وبهذا فإن كاريكاتير القضايا العامة أو الذهنية أو الفلسفية لا يناسب صحيفة تتكلم عن التطورات المتسارعة للحرب على بلدنا وأزمات المواطن الخانقة التي تتراكم كل يوم مبيناً أنه في النهاية يوجد كاريكاتير جيد وصادق ويؤدي دوراً أكان ذلك بالتعليق أو دونه.

أما عن موضوع المهرجانات والمسابقات فيؤكد الشماع أن مشاركة رسام الكاريكاتير فيها تقضي بإلتزامه بموضوع المسابقة المحدد سلفا ومراعاة صياغات متعارف عليها عالمياً كتجنب أي كلمة أو تعليق أو رسم لأدوات محلية قد لا يدركها المتلقي الأجنبي إضافة إلى توجه الرسام أصلاً إلى مخاطبة عقلية مختلفة مبيناً أن الرسم للمعارض يعطي الرسام فرصة تقديم تقنيات قد تعجز المطابع عن موازاتها.

ويقول صاحب الخبرة الطويلة في رسم الكاريكاتير إن لكل بلد خصوصيته الاجتماعية ولأن الكاريكاتير مرآة ذلك المجتمع ويفترض به التعبير عنه فإن له خصوصية بالضرورة إلا إذا كان هم الرسام مخاطبة مجتمعات أخرى.

وعن واقع فن الكاريكاتير في سورية يوضح الشماع أن الكاريكاتير لدينا على قلة ممارسيه نسبة لعدد السكان متأرجح بين فكرتين الأولى أداء مهمته كمعبر عن هموم الناس بالقدر المتاح وأن يكون رقيباً على أداء الجهات الحكومية والثانية السعي لأن يحقق شكلاً مبهراً وتقنيات عالية تزيد من فرص نيل الجوائز في المسابقات والمعارض المحلية والخارجية مبيناً أن من الممكن أن نرى التعاطي مع هاتين الفكرتين لدى رسام واحد.2

ويعتبر الشماع أنه من المطلوب التزام الرسام المهني بسياسة الصحيفة التي يعمل بها تماماً كلاعبي كرة القدم ولكنه غالباً لا يستطيع تحقيق ذلك باعتبار أن المشاكسة من خصائصه وعنصر من عناصر تكوينه لذا فإنه غالباً ما يلجأ للتغريد خارج السرب وهذا من مهامه وذلك من خلال الترميز والتحايل على الأشكال والعناصر التي تحمل اكثر من معنى مبيناً أن هذا يحتاج الى جهد خاص من رسام الكاريكاتير ليتميز في عمله.

ويقول..هناك دائماً هامش ما يصنعه الرسام للتغلب على التمايز بين موقفه وبين موقف صحيفته, والمناخ الديمقراطي يحل المشكلة في تفهم الجانبين لبعضهماً فضلاً عن الجانب التسويقي للصحيفة حين تحوي تنوعاً أكثر وغنى يرضي شرائح أوسع من القراء.

ويشير الشماع إلى أن رسام الكاريكاتير لدينا يعتبر موظفاً حتى وإن لم يكن موظفاً فعلاً إذ إن عليه أن يخضع لأعراف الوظيفة ليعمل ويتقاضى أجره عما يقدمه من لوحات مبيناً أننا لم نعتد على معاملة الرسام على أنه قطع نادر لذا يلجأ البعض للرسم في الخارج.

وعن مغريات الشهرة بالنسبة له وعدم مغادرته لسورية في هذه الظروف الصعبة يقول الشماع ..لم أبحث عن الشهرة يوماً, فمثلاً توقيعي على رسوماتي هناك الكثيرون لا يستطيعون قراءته بشكل صحيح, وعدم مغادرتي سورية يعود لإيماني بوطني وأن الإنسان ابن خياراته وهذا كان خياري حتى الآن موضحا أن المصاعب تساعد أحياناً على صناعة رسام الكاريكاتير مبيناً أن الأزمة التي تمر بها سورية حالياً لا بد من أن تساعد على تشكيل جيل جديد من رسامي الكاريكاتير وخصوصاً أن مناخ السخرية السوداء يسود المنطقة كلها وهو نابع من معاناة حقيقية.

ويختم الشماع حديثه بالتوجه بالنصح لجيل الشباب من رسامي الكاريكاتير بعدم التفكير بالاحتراف قبل أن تكتمل تجربتهم وتتبلور شخصيتهم الفنية وتجنب التسرع في تنفيذ الفكرة أو التسرع في عرضها.

محمد سمير طحان