الشريط الإخباري

جودت الهاشمي.. مدرسة تختزن ذاكرة مدينة-فيديو

دمشق-سانا

تروي ثانوية جودت الهاشمي في دمشق بمعالمها المعمارية وطابعها التراثي ذكريات الرعيل الأول لرجالات سورية في النصف الأول من القرن العشرين وعشرات الأسماء اللامعة ممن احتلوا مواقع في الآداب والعلوم والسياسة وكانت أول مدرسة رسمية في دمشق تأسست باسم مدرسة التجهيز الأولى وعرفت فيما بعد باسم جودت الهاشمي الذي كان مديرها في مراحلها الأولى.

ويلفت الزائر للمدرسة عند الوقوف على الشارع الرئيسي المقابل لها بناءها التاريخي ذا الطراز الدمشقي الأصيل الذي اعتمد الحجر والطين والاسمنت في هيكله واتجاهات الزخرفة العربية في ترصيع ملامحه وعند المرور للداخل عبر بوابتها الخشبية الضخمة تستقطبه القاعات الواسعة والأبواب الخشبية المزخرفة والمزينة والاسقف العالية والأعمدة الحجرية الاسطوانية التي تضفي قيمة تاريخية ومعمارية على المكان.

كاميرا سانا التقت عددا من أساتذة المدرسة حيث لفت عدنان حمدان موجه تربوي في المدرسة منذ عام 1995 إلى أنها شيدت سنة 1930 في عهد الرئيس تاج الدين الحسيني وكان اسمها التجهيز الأولى ومن ثم حملت اسم جودت الهاشمي نسبة إلى مديرها ذي الاصول الجزائرية تكريما له بعد وفاته مبينا أنه في عام /1955/ تم تقسيمها إلى مدرستين هما جودت الهاشمي وابن خلدون.

ونوه حمدان بالكوادر التعليمية للمدرسة التي حافظت على مستوى المدرسة ومحتواها التعليمي بتخريج أجيال من الأطباء والمهندسين ممن كان لهم دور فاعل في مجالات الحياة كافة.

هزار ملوحي موجهة تربوية في المدرسة منذ عام 1997 لفتت إلى ان المدرسة تستقطب مئات الطلاب سنويا من كافة المحافظات نظرا لموقعها الذي يتوسط العاصمة دمشق وطابعها التدريسي والتاريخي المعروف على مر السنوات موضحة ان بناء المدرسة لم يطرأ عليه تغيير من نشأته إلا في بعض المواقع التي تطلبت ذلك.

الأستاذ حسان عابدين مدرس علوم في الثانوية منذ 14 عاما تحدث عن عراقة المدرسة واساليبها التعليمية لتخريج دفعات من الطلبة المتفوقين الذين يرسمون بصمة في التاريخ السوري ويصل عدد الطلاب الذين يتخرجون منها إلى كلية الطب البشري ما يقارب 20 طالبا سنويا مشيرا إلى اهتمام وزارة التربية بالمدرسة ورفدها بكافة المستلزمات التي تطلبها لضمان نجاح العملية التعليمية واستمرارها.

ولفت عابدين إلى ان مخبر المدرسة لم تطرأ عليه تغيرات في البنية بينما تم رفده بأجهزة وآلات من كافة الاختصاصات ذات تقنيات حديثة ومتطورة تساعد الطالب على فهم المحتوى التعليمي بشكل عملي من خلال التجربة.

بدورها تحدثت ملك شبانا أمينة المكتبة في الثانوية منذ 20 عاما عن طابع المكتبة الأثري في الأساس والمضمون والجهود لوضع سجلات أساسية بمحتويات المكتبة وفهارس حسب الموضوع والمؤلف لافتة إلى سعي المدرسة للحفاظ على محتوى المكتبة وعدم التفريط بأي كتاب موجود فيها.

من جهته أوضح آصف زيدون مدير الثانوية أن المدرسة كانت عبارة عن قسمين قسم داخلي وقسم تعليمي للطلاب وعرفت باسم المدرسة التجهيزية الأولى حيث كانت مجهزة بكل شيء يضمن للطالب إقامة وتعليم لينتقل إلى المرحلة الجامعية بجهوزية تامة فيما بعد مشيرا إلى المراحل التاريخية التي مرت بها المدرسة في نضالها ضد الاستعمار الفرنسي وكانت شاهدا على جرائم المستعمر الفرنسي عندما هاجم البرلمان السوري في عدوان 29 ايار وإليها لجأ الثوار في الكثير من الاعتصامات والمظاهرات ضد المستعمر.

وأكد زيدون على مواصلة مسيرة سابقيهم من رجال العلم في الاهتمام والرعاية والحفاظ على تاريخ وعراقة المدرسة لاستمرار تخريج دفعات من الطلبة يستحوذون مكانات معرفية في بلدهم ويرفدون الحركة التعليمية فيها مشيرا الى أنها اول مدرسة طبق فيها نظام الخلايا الكهرضوئية لتأمين الطاقة الكهربائية للطلاب خلال اوقات الدوام بالإضافة إلى مشروع حصاد المياه الذي نفذته وزارة التربية وهو عبارة عن تجميع مياه الامطار في منطقة من سطح الثانوية ومن ثم نقلها عبر أنابيب لتمر بمضخة فلترة ثم إلى خزان المياه ليقوم بري حديقة الثانوية في فصول الجفاف عبر مضخة وأنابيب ري تصل إلى أبعاد المدرسة.

وبين زيدون أن الثانوية عبارة عن طابقين وجناح مستقل يتضمن 24 قاعة صفية مقسمة إلى 8 قاعات صفية للأول الثانوي بتعداد 450 طالبا و9 قاعات صفية للثاني الثانوي العلمي وتعدادهم 480 طالبا و7 قاعات صفية للثالث الثانوي العلمي وتعدادهم 210 طلاب ليكون مجموعهم الكلي 1100 طالب.

ونظرا لأهميتها العمرانية ومعاصرتها لكثير من الأحداث التاريخية البارزة استحوذت المدرسة على اهتمام المؤرخين والمؤرشفين الذين اجتهدوا بالبحث والتوثيق ومنهم الموثق عماد الأرمشي الذي ذكر في حديث لسانا أن أهم ما شهدته هذه المدرسة اقامة أول معرض دولي في دمشق فيها وذلك في ربيع عام 1936 كونها أكبر بناء في دمشق آنذاك وأصبح اسم حديقتها الأمامية المعروفة بحديقة الشرف حديقة المعرض كما زين المدخل بأعمدة كهربائية وعلقت عليها أعلام الدول المشاركة.

وذكر الأرمشي أن المدرسة أنشئت على تخوم الشرف الأعلى في مدينة دمشق يحدها شرقا كوبانية الكهرباء والتي حلت محلها اليوم الشركة العامة لكهرباء محافظة دمشق في شارع المتنبي و يحدها شمالا بستان ” خستخانة الشام الميرية ” أي المشفى العسكري وغربا محلة زقاق الصخر وجنوبا “جنينة الشرف” حديقة الجلاء اليوم.

وتصدرت صورة مدرسة التجهيز بحسب الأرمشي غلاف العدد الأول من صحيفة المضحك المبكي “المصور” كتجربة لإدراج الصور الفوتوغرافية في الصحيفة ومحاولة للتطوير من الصحفي الكبير حبيب كحالة حيث صادف صدورها في اليوم الذي سبق المعرض الصناعي.

وبحسب الأرمشي فان من بين الاسماء التي تخرجت من المدرسة او درست فيها المفكر زكي الأرسوزي والاستاذ جودت الهاشمي والشعراء محمد البزم و نزار قباني و شوقي بغدادي اضافة الى المفكرين القوميين ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار.

شروق العمري وبشرى برهوم

تصوير: محمد السعدوني