من أين أتت هذه الحماسة المفاجئة للاعتراف بالدولة الفلسطينية؟ ماذا تغير؟ وكيف يمكن للبرلمان البريطاني أن يقترح على حكومته الاعتراف بالدولة وبريطانيا هي صانعة «إسرائيل»؟ قد تكون دوافع السويد أكثر إيجابية وهي ليست عضواً في «ناتو» لكن حتى هذا البلد لا يمكن أن يتبنى قراراً سياسياً نوعياً يتعلق بمسألة دولية مهمة من دون شعوره بوجود قبول من «الأسرة الأطلسية».
ثم لماذا هذا الحديث الصاخب حول أزمة إسرائيلية- أمريكية وإسرائيلية- فرنسية على خلفية السياسات القمعية الإسرائيلية وكأن الكيان الصهيوني لم يكن قمعياً في السابق.
الخلاف الأطلسي- الإسرائيلي مرده إلى اختلاف في وجهتي نظر لتحقيق مصلحة الكيان. الصهاينة يعتقدون أن تحقيق هذه المصلحة يتم عبر قوة الكيان وتعنته والمبالغة في التعسف والرفض والقمع، الأطلسيون- وهم الاستعماريون الأكثر ذكاء- يرون أن العامل الأساسي لتحقيق مصلحة «إسرائيل» هو ضعف العرب. هذا الرأي الأطلسي كان يؤكد عليه بن غوريون لكنه كان آخر من يرى هذه الحقيقة بين زعماء الكيان.
منذ كيسنجر في السبعينات مروراً بكارتر وريغان حاول الأمريكيون إنقاذ الصهاينة من أنفسهم ومن حماقتهم خوفاً على الكيان وحماية له. الحوار الشهير بين كيسنجر وغولدامائير يعرفه المتابعون. يرى الأطلسيون أن الظرف اليوم هو الأكثر ملاءمة لتحقيق مصالح الكيان مرة واحدة. فالعرب لم يكونوا ولن يكونوا أكثر ضعفاً مما هم عليه الآن، هذه الحقيقة بنى عليها أوباما استنتاجاً خطيراً عندما قال قبل فترة: «لقد اكتشفنا أن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ليس هو الأهم في المنطقة».
ماذا يعني هذا؟ يعني أن على حلفاء أمريكا في المنطقة التنسيق لمواجهة «المسألة الأساسية» التي يراها أوباما في «الصراعات القبلية والطائفية وفقدان الديمقراطية» وهي صراعات عربية- عربية باعتقاد الرئيس الأمريكي.
المطلوب أطلسياً إذاً بناء «توافق استراتيجي» كامل بين الأنظمة العربية التابعة لأمريكا والكيان الصهيوني من أجل حل «المسائل الأساسية» أي ضرب الدول التحررية والمقاومة، وإخراج هذا التوافق القائم حالياً «من تحت الطاولة» إلى النور والعلن، وهذا يكون ممكناً عبر حل «المسألة الثانوية» أي الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وهناك ضغوط سعودية وخليجية على واشنطن بهذا الاتجاه: «دعونا نحل القضية الفلسطينية لكي يتم التنسيق مع إسرائيل تحت الضوء».
هذا يصب في «المصلحة الاستراتيجية والتاريخية» للكيان، لكن الحكام الصهاينة ليسوا مستعدين للتنازل عن فتات من أجل مصلحة كيانهم، إنها واحدة من أكبر «حماقات» التاريخ، لذلك فإن التلويح بالاعتراف بالدولة الفلسطينية هو نهج أطلسي للضغط على هؤلاء الحمقى في تل أبيب الذين دفعهم الغرور إلى أن لا يروا ما يقدمه الظرف الراهن من إمكانات لتحقيق مصالح كيانهم، إنه خلاف بين طفل صهيوني أحمق وأب أطلسي أكثر دهاءً.
صحيفة تشرين