القارة العجوز تترنّح-صحيفة تشرين

أوروبا على صفيح ساخن العنوان الأكثر دقة للتعبير عن الحالة السياسيةِ والاقتصاديةِ التي تعيشها القارةُ العجوز هذه الأيام، هو الرمادُ تحتَ الجمرِ, هكذا وصفَ المراقبون والمتتبعون للشأنِ الأوروبي وللحراكِ السياسي والاجتماعي الداخلي, حالة من الغليانِ الشعبي ربما كانت أولى إرهاصاتِه ما جرى ويجري في فرنسا من احتجاجاتٍ شعبيةٍ عارمةٍ لامست حدّ الانتفاضةِ الشعبيةِ ضدّ حكمِ رئيسِ النظام الفرنسي إيمانويل ماكرون.

تتعددُ أوجه الحالةِ الشعبيةِ الغاضبةِ التي تكاد تنفجرُ في أيّ بلدٍ أوروبي, وعلى الرغمِ من كل الأزماتِ الأوروبيةِ وهي عديدةٌ لكن أبرزها، الاقتصادُ وانخفاضُ القدرةِ الشرائيةِ في العديدِ من دولِها, والخلافُ حولَ خروجِ بريطانيا من الاتحاد الأوروبي, إضافةً إلى العلاقةِ مع واشنطن التي باتت أقرب إلى الاهتزازِ بعدما كانت لعقودٍ من الزمنِ تتمتعُ بالاستقرارِ لجهةِ تبعيةِ أوروبا إلى السيد الأمريكي الذي بدأَ يبيعُ ويشتري سياسياً واقتصادياً بالقارةِ العجوز.

ومع اقتراب فترةِ حكمِ أنجيلا ميركل التي امتدت 18 عاماً في ألمانيا من نهايتِها بسببِ التقدمِ بالعمر, وبعدَ أن اختارَ الديمقراطيون المسيحيون في ألمانيا مرشحَ ميركل المفضل لخلافتِها آنجريت كرامب كارينباور, فإن حالة من عدمِ اليقينِ تعيشُها ألمانيا, ومع دخول رئيسةِ الوزراءِ البريطانيةِ تيريزا ماي مرحلةَ العجزِ السياسي وخصوصاً مع خضوعِها لعمليةِ حجبِ الثقةِ داخل حزبِها رغمَ تجاوزِها لها وتضعضع حكمِ ماكرون تكونُ أوروبا كلّها على المحك السياسي.

أوروبا تدخلُ مرحلةً جديدةً أكثر خطورة على مستقبلِها السياسي وخصوصاٌ ضمنَ نطاقِ الاتحادِ الأوروبي, الأمر الذي تجلّى بتدهورِ الوضعِ في فرنسا قلب أوروبا وبعدما وجدَ ماكرون نفسَه محاصراً في قصرِ الإليزيه من قبلِ مناصري «السترات الصفراء», وقد استسلمَ ماكرون بعدَ كلَ شيء، على الرغمِ من موقفِه المتعنّت السابق لمطالبِهم بإلغاءِ الزياداتِ في رسومِ الديزل والبنزين، وعرض عليهم إجراءَ محادثات، من خلال رئيسِ وزرائِه إدوارد فيليب، وهي خطوةٌ قد تنذرُ بعددٍ من كباشِ الفداء، فلم تكدْ إصلاحاتُ ماكرون للاقتصادِ الفرنسي تبدأ، حتى جُوبهَ بردِ فعلٍ عنيفٍ من الشارعِ الفرنسي.

وألمانيا التي تعاني الشيخوخةَ لا يبدو حالُها أفضلَ من فرنسا إذ إنّ الوضعَ الاقتصادي لم يعدْ كما كانَ سابقاً, فالبلدان فرنسا وألمانيا يعانيان ضيقاً اقتصادياً وتخبطاً سياسياً غير مسبوقين, إذ في ألمانيا ورغم أنها حققت نجاحاً في مجالِ التصديرِ إلا أنّ هناك قسماٌ من الطبقةِ العاملةِ وبعض المناطقِ التي لم تشتركْ بالكاملِ في موجةِ المدّ والازدهارِ, وبالتالي هناك همسٌ من تحتِ الطاولةِ الاقتصاديةِ حولَ سياساتِ البلادِ الاقتصاديةِ والاجتماعية.

وهذا الأمرُ ينطبقُ ربما على كثيرٍ من دولِ القارة العجوز تجلّى ذلك بانتقالِ حركةِ «السترات الصفراء» في بعضِ الأحيان إلى دولٍ أخرى أبرزها بولندا وبلجيكا وهولندا وغيرها, ولو أنّها بزخمٍ أقل مما جرى في فرنسا إلا أنّها مؤشراتٌ تثبتُ شيخوخةَ القارةِ الأوروبيةِ, وعجزها عن التطورِ وتحقيقِ الاستقرارِ السياسي والاقتصادي لشعوبِها, ولربما مؤشرٌ على بدايةِ انهيارِ منظومةِ الاتحادِ الأوروبي برمتِها.

بقلم: أديب رضوان