مكافحة الإرهاب وعرج التجديد النصفي!!

تقتضي الضرورة العودة إلى النبش في تفاصيل ما أدرجته واشنطن في بنود استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب، بالتوازي مع تسارع الأحداث في المنطقة وتداخل العوامل والظواهر وتباين الحسابات والمعادلات مع اقتراب التجديد النصفي للكونغرس، سواء اتفقت أم اختلفت مع إحداثيات تلك الاستراتيجية، وسواء أملتها الحاجة أم فرضها التعثر الواضح في إدارة ملف التباينات الصعبة داخل التحالف الأميركي وطبخة الحصى المستمرة.‏

وعلى هذا المنوال، لا يمكن إغفال العودة الأميركية إلى الحديث عن أدوار «حلفائها» في المنطقة أو «شركاء» الغرب في دعم الإرهاب، ولو تدنت مستويات مصدره من نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية إلى نائب وزير خزانة، وتحديداً عن الدور التركي في دعم داعش ومساحات التعامل المفتوحة بين حكومة أردوغان والتنظيم.‏

لا نستبعد اعتذاراً أميركياً مماثلاً لما أقدم عليه بايدن ولو بعد حين، غير أن ذلك لا يقلل بأي حال من الأحوال الدلالة الزمانية والمكانية القادمة من واشنطن، في أجواء من الشحن والضغط السياسي والإعلامي، ممزوجاً بكثير من اللغط المتعمد لإضفاء المزيد من الضبابية على مدارك واجتهادات الاستراتيجية الأميركية في نسختها القادمة.‏

وفي التفاصيل العائمة هذه الأيام، ما يجري تداوله في الإعلام الأميركي من انتقادات تجاوزت سقف الجدل الداخلي ومقتضيات التحضير للانتخابات النصفية التي ترخي بظلالها وتفرض شروطها، لتصل إلى مستوى التشكيك الفعلي بالعلاقة مع أولئك الحلفاء والشركاء، وخطورة العودة إلى تعديل إحداثيات الدور الوظيفي في منظومة العمل الأميركية، كمقدمة لانتقاد أداء الرئيس الأميركي وطاقمه في سياق هذه الاستراتيجية بعد ان نفدت الكثير من الذرائع التي احتمت بها هذه الإدارة لتبرير حجم التناقضات والتباينات داخلها.‏

في مطلق الأحوال، لم يعد الجدل قائماً حول جدية واشنطن في مكافحة الإرهاب، وهي التي أثبتت بالدليل القاطع وبالقرينة الدامغة أنها ليست بوارد الرغبة في تأكيدها، بل يتركز على الأسباب الكامنة خلف هذا الضجيج المفتعل في الأوساط الأميركية حول الاستراتيجية وجدواها في وقت لا يجاري فيه الرأي العام الأميركي ما تنشغل فيه تلك الأوساط، وقد أدرك سلفاً أن حروب واشنطن القادمة – كما هي الماضية – معنية بأولويات الأميركيين ولا بتطلعاتهم أو مصالحهم.‏

يعزز هذا الاعتقاد ما تتبادله الأوساط الأميركية من اتهامات، وصلت حد المبارزة الانتخابية التي يريد من خلالها الجمهوريون القصاص المسبق من الديمقراطيين، الذين مارسوا في عهد الرئيس أوباما سياسة جوفاء وعقيمة ومفلسة على أكثر من صعيد، وتتبارز اللوبيات اليوم على إظهار العجز كمادة تصلح للدعاية الانتخابية لتتحول الإدارة الديمقراطية من بطة عرجاء إلى أخرى كسيحة.‏

قد لا تكون القضايا الخارجية في السياسة الأميركية هي المعيار الوحيد، ولا العامل الأساسي في الانتخابات الأميركية وتحديداً ما يتعلق منها بانتخابات التجديد النصفي، لكن إدراجها هذه المرة يعود في أكثر عوامله إلى المخاوف والهواجس المتصاعدة من تبعات وارتدادات العثرات التي تعمدت إدارة أوباما تجاهلها، والتغافل عن الحسابات والمعادلات التي أملتها بعد سنين طويلة من المماطلة وغياب الإفصاح عن الأهداف واستبعاد الأدوات والعوامل المؤثرة مباشرة.‏

في التجارب السابقة كانت تقتضي الضرورة الانتخابية تحييد العوامل الخارجية عن الجدل وتحديداً ما جاء منها تحت شعار المصلحة الأميركية، وقد تطلبت تلك المصلحة تبريد حالة الانتقاد للأداء السياسي، خصوصاً في شق التجديد النصفي، وعندما تتحول إلى مادة خصبة للجدل، فإن ثمة تعديلات واضحة على مزاج الحسابات والمعادلات الانتخابية وما تعكسه من تعديل في مزاج الأميركي ذاته.‏

ما هو مؤكد ان الجدل في نهاية المطاف ليس أكثر من فاصل منشط بين انهماك إدارة أوباما في تدوير زوايا استراتيجيتها، وبين الإضافات الإقليمية والتعديلات في تموضعها داخل التحالف الأميركي المعلن على قاعدة واحدة غير قابلة للنقاش في ظل إصرار على التلطي خلف الذرائع لتسويغ ما لا يُهضم في سياق السياسة الأميركية القائمة على استراتيجية إدارة الفوضى وتجديد هياكل ونماذج ما يتبقى من ركام في المنطقة.‏

فحاجة إدارة أوباما إلى بيدق الإرهاب ليواصل حركته على رقعة حروبها كان وسيبقى مع تنظيماته والدول الداعمة له الجزء الثابت الوحيد في هوية أي استراتيجية أميركية حتى إشعار آخر سواء تأثر بأجواء تجاذبات التجديد النصفي للكونغرس أم ظل منهمكاً في اللغو حول الاستراتيجية الأميركية لمكافحة الإرهاب قبل التقييم وبعده.‏

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

الثورة يحرز المركز الثاني بالدورة العربية للأندية للسيدات بكرة السلة

أبو ظبي-سانا أحرز نادي الثورة المركز الثاني في دورة الألعاب العربية للأندية للسيدات بكرة السلة …