الشريط الإخباري

العالم الآثاري عفيف بهنسي: السوريون علموا البشرية كيف تبنى الحضارات وفسحوا المجال أمام مئات العلماء للتعرف على حقيقة بدايات التاريخ-فيديو

دمشق-سانا

“نحن من كتب الصفحات الأولى في تاريخ الانسانية وعلمنا البشرية كيف تبنى الحضارات” هكذا يعرف الباحث الدكتور عفيف بهنسي السوريين وحضارتهم العريقة الضاربة في جذور التاريخ حيث يؤكد في لقاء خاص مع سانا أن اهتمام علماء الآثار في العالم بسورية وحضارتها ليس وليد الصدفة وإنما يعود إلى التنوع والاسبقية في تراثنا وتاريخنا اللذين لا مثيل لهما في العالم.

ويقول الباحث بهنسي.. “من حسن حظي وحظ كل سوري الانتماء لهذا البلد الذي يتمتع بحضارة وتاريخ لا مثيل لهما في العالم وفق ما أثبتته الكشوف الآثارية التي تعاقبت على كل أرجاء سورية”.

ويضيف الدكتور بهنسي.. إن الحضارة ليست عبارة عن كلمة بل هي هذا التراث المجسم الذي نمتلكه.. فمدينة تدمر ليست حكاية ولا اسطورة.. بل هي حاضرة لا مثيل لها في العالم ونحن نعرف جيدا الآن من خلال التنقيب والكشوفات الآثارية إننا نحن الذين صنعنا الأبجدية الأولى والكتابة والموسيقا القديمة.. ونحن من صنع أقدم منزل في التاريخ والذي يعود إلى 12 ألف عام حيث تمت إعادة بنائه في معرض أقمناه في برلين.

ويتابع عالم الآثار.. “كان لي الشرف أن أقود العديد من الحملات الاستكشافية في المديرية العامة للآثار والمتاحف بالتعاون مع ما لا يقل عن ألف عالم آثار من كل أنحاء العالم قاموا بعمليات التنقيب والبحث وإلقاء المحاضرات وتأليف العديد من الكتب ونشرها حتى أصبح العالم كله يدرك تماما قيمة حضارتنا وتاريخنا خاصة بعد أن أقمنا معرضا في أغلب دول العالم لمدة 12 عاما قدمنا من خلاله تراث سورية لإثبات أن هذا البلد الصغير يتمتع بتراث عظيم”.

ويشير الدكتور بهنسي إلى أن العلماء الذين شاركوا في الكشوف الآثارية في بلدنا كانوا “مجرد وسطاء بيننا وبين العالم” وهم يستحقون منا التحية لأنهم ما زالوا حتى اليوم يساعدوننا على نشر هذه الحضارة العظيمة موضحا أن الأجيال القادمة “يجب أن تعي أنها ليست ضعيفة وأنها قادرة على إعادة صناعة الحضارة بما تمتلك من تراث ما زال موجودا حتى اليوم”.

ولفت بهنسي إلى أنه سعى من خلال كل الكتب التي قدمها خلال رحلته العملية الطويلة في مجال الآثار والعمارة والفنون إلى إيصال فكرة للسوريين بأن أجدادهم هم من صنع هذه الحضارة العظيمة مشددا على ضرورة أن تعي الأجيال السورية الجديدة ما نمتلك من إرث حضاري عظيم “لأننا نمر في مرحلة نحتاج فيها أن نعزز ثقتنا بأنفسنا وعزتنا وكرامتنا وقوتنا وإمكانياتنا لكي نستطيع أن نجابه كل ما نتعرض له من هجمات شرسة على بلدنا وحضارتنا ولنتمكن من محاورة العالم كله”.

ويقول الدكتور بهنسي.. “لا بد من إعادة النظر في مفهومنا للتاريخ القديم الذي أسس التاريخ الحالي وقد سعيت في رحلتي الطويلة مع علم الآثار وعبر المكتشفات إلى تثبيت حقيقة أن مصدر التاريخ هو الأف الرقم والألواح المكتشفة والمكتوبة بالمسمارية بعيدا عن الخرافة والحكاية والأسطورة حيث استطعنا أن نقرأ المسمارية وأن ننشر معاجم للهجات القديمة التي كانت متداولة في اكاد وعامورة وكنعان والتي هي أصل اللغة العربية”.

ويضيف الدكتور بهنسي.. إن رسالتي التي أعمل عليها مستمرة ولم تنته وكل الذي كتبته وقدمته ستقرؤه الأجيال القادمة وتدرك تماما أن ما اكتشفناه كان حقيقة ولم يكن وهما ولا سرابا وهو حقيقة مكتوبة حققها علماء من جميع أنحاء العالم “وإن اختلفوا في تأويلها”.

ويرى بهنسي صاحب كتاب “تاريخ الفن في العالم” أن “علماء الآثار في العالم أدركوا أن التنوع والأسبقية في تراثنا تستدعي كل الاهتمام من قبلهم لأننا نحن من كتب الصفحات الأولى في تاريخ الإنسانية ونحن علمنا البشرية كيف تبنى الحضارات” لافتا إلى أن سورية “فسحت المجال أمام مئات العلماء الآثاريين كي يتعرفوا على حقيقة بدايات التاريخ” ولذلك ما زالوا يكتبون عن سورية وحضارتها وهناك مطبوعة سنوية ما زالت تصدر في روما بعنوان “الناري ايبلا” يشترك في اصدارها 12 عالما متخصصين في علم اللسانيات يكتبون ويترجمون الرقم الطينية المكتشفة في سورية حول العادات والآداب والعقائد والعلاقات التجارية والسلطة.

ويعتبر الباحث بهنسي الذي قام بإعداد أضخم كتاب عن سورية بعنوان “سورية التاريخ والحضارة” بناء على تكليف من الحكومة نفسه “جنديا يدافع عن وطنه بالعلم والبحث إلى جانب الجندي في الجيش العربي السوري الذي يحمي الوطن والشعب ويقدم روحه رخيصة فداء لذلك” موضحا أن الدولة “لم تقصر في رعاية وتكريم أبنائها المبدعين وأن الدعم المادي ضروري لاستمرار المشاريع والإبداع واليوم كانت للحرب منعكساتها السلبية على كل مناحي الحياة ونأمل قريبا أن نستعيد مكانتنا وتعود سورية غنية في كل المجالات وهذا يحتاج إلى اقتصاد قوي ومعافى”.

ويقع كتاب “سورية الحضارة والتاريخ” في ثمانية أجزاء وهو موجود في جميع أنحاء العالم ويعد مرجعا نادرا باعتباره كتابا آثاريا تاريخيا حضاريا يحتوي على ألف صورة للتراث السوري.

ويشير بهنسي صاحب الإنجازات الكبيرة في ميادين البحث الآثاري والمعماري والفني إلى أهمية التكريم لكل صاحب انجاز مهم يعود بالفائدة على الوطن والناس وفي أي مجال من المجالات “لأن الكلمة الطيبة يجب أن ترافق العمل الجاد والمفيد لكي يستطيع الإنسان متابعة عمله وأن يشعر أن هناك من يقدره”.

وعن رأيه بالحركة البحثية بعلم الآثار والعمارة وإصدارات جيل الباحثين الشباب يقول بهنسي.. إن “الدولة اهتمت بعملية البحث العلمي ورصدت أموالا في الموازنة العامة لهذا الغرض ويجب أن يكون هذا موضع احترام وتدقيق وتنفيذ لأن الإمكانات المحدودة تحد من تمكين أصحاب المعرفة والباحثين ما يستدعي تعزيز هذه الإمكانات للانتباه إلى العلماء والباحثين السوريين وتقديم ما يحتاجونه من دعم ورعاية واهتمام”.

وبين أن المديرية العامة للآثار والمتاحف هي المركز الوحيد للبحث الآثاري “الحقيقي” في سورية وعلماء الآثار في العالم يشاركونها في عملية البحث وهي تشكل مدرسة لأجيال من الباحثين ما يدعو إلى التفاؤل أن تحقق هذه الأبحاث نتائج مهمة وتشكل وثيقة علمية تعرف السوريين على حضارتهم.

وحول ما تتعرض له الآثار والأوابد التاريخية من تخريب وتدمير ممنهج من قبل الإرهاب يرى بهنسي أن “هناك من يريد أن يعيدنا إلى ماضي الجاهلية وأن يلغي كل مظاهر الحضارة” مبينا أن الذين غرر بهم من السوريين وأخطؤوا في أفعالهم لا بد أن يتراجعوا عن ذلك.. فالخير أقوى من الشر ومشيرا إلى أن كل مواطن سوري يحب وطنه يجب أن يشارك في بناء وطنه وإعادة إعماره من جديد.

ويرى صاحب الخبرة الطويلة في عالم البحث أن هناك “ضرورة لإعادة النظر اليوم في كثير من المبادئ ولا سيما الدينية لإنقاذ الإسلام من التهم التي تكال له فهو دين حضاري ويدعو إلى الأخلاق الحميدة وليس دين قتل وإرهاب”.

وعن كتابه “تاريخ فلسطين من خلال علم الآثار” الذي نشرته وزارة الثقافة قال بهنسي.. “قدمت في هذا الكتاب ما جاء على لسان علماء “إسرائيليين” يعترفون من خلال التنقيبات التي قاموا بها في القدس واريحا أن التاريخ التوراتي لم يكن حقيقة وأن علم الآثار الحديث لم يستطع أن يثبت ولا كلمة واحدة من التاريخ التوراتي وأن علماء الآثار في كل أنحاء العالم يخجلون اليوم من الاعتماد على هذا التاريخ” معتبرا أن “مقاومة “إسرائيل” وادعاءاتها الزائفة لا تكون إلا من خلال الكشوف الآثارية التي تعري كذب ادعاءاتهم بحقوقهم المعتمدة على التاريخ التوراتي المزيف”.

وتسلم العالم السوري بهنسي في الحادي والعشرين من كانون الأول الماضي جائزة الكويت للتقدم العلمي وهي أكبر جائزة عربية سنوية مخصصة للعلوم والدراسات الفلكية والآداب والفنون حيث نال الجائزة في مجال الآداب والفنون عن مجمل أعماله وأبحاثه ودراساته وما قدمه للمكتبة العربية والعالمية خلال حياته حيث قدم بحثا في جامعة الكويت بعنوان “تاريخنا من الحكاية إلى علم الآثار” والذي نقض فيه الحكاية التوراتية والأساطير القديمة من خلال العلم والكشوفات الآثارية.

الأستاذ الجامعي السابق وصاحب التسعين عاما يعكف حاليا على كتابة سيرته الذاتية بما تحفل به من مشاهدات ومعايشة لأدق وأحرج مرحلة في التاريخ العربي وعن ذلك قال.. “كنت شاهدا فاعلا في هذه المرحلة التي عشتها حيث صدر أول كتاب لي وأنا في سن الأربعين وما زلت أعمل وأراقب وأساهم حتى اليوم في عدة مجالات ومن حسن حظي أنني عملت في المكان الذي أردت أن أبني وطني من خلاله وأنا كأي مواطن سوري لا أستطيع أن أنزع جلدي ولا محبة وطني من قلبي”.

الدكتور عفيف بهنسي من مواليد دمشق 1928 حاصل على دكتوراه في تاريخ الفن من جامعة السوربون بباريس ودكتوراه الدولة بدرجة مشرف جدا من جامعة السوربون أيضا تقلد العديد من المناصب.. أول مدير للفنون الجميلة في سورية.. مؤسس وأول نقيب للفنون الجميلة.. مؤسس عدد من المتاحف في سورية.. مؤسس كلية الفنون الجميلة ومراكز الفنون التشكيلية في سورية يحمل 13 وساما رفيعا من دول مختلفة إضافة إلى عشرات شهادات التقدير قدم للمكتبة العربية والعالمية اكثر من 70 كتابا نالت شهرة عربية وعالمية ترجمت مؤلفاته إلى لغات أجنبية عدة شارك في تأليف موسوعات عالمية ووضع كتبا بلغات أجنبية ومن قائمة مؤلفاته “الفن عبر التاريخ” و”الفن الإسلامي” و”سورية التاريخ والحضارة والعمران الثقافي” و”موسوعة التراث المعماري” وغيرها العشرات.

شذى حمود

تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :

https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency

تابعونا عبر تطبيق واتس أب :

عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).

تابعوا صفحتنا على موقع (VK) للتواصل الاجتماعي على الرابط:

http://vk.com/syrianarabnewsagency

انظر ايضاً

لقاء خاص بـ سانا مع العالم الآثاري عفيف بهنسي