الشريط الإخباري

في العراق إرهاب وفي سورية “جهاد”!! – الوطن العمانية

المشهد العربي الذي يراه الجميع الآن يؤكد أن منطقتنا خاصة وقعت فريسة للإرهاب الذي أصبح الوجه الحقيقي للاستعمار الجديد الذي يجري تنفيذ خططه في دول المنطقة بهدف إعادة رسم خريطتها وتشكيل هويتها وفق عقل المستعمِر الغربي الذي يرتب المشهد حاليًّا بما يتلاءم مع توجهاته ومشاريعه الاستعمارية الهادفة إلى السيطرة والهيمنة على الثروات ومقدرات الشعوب والسيادة والقرار تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد الذي سبق لواشنطن أن بشرتنا به.

ولهذا فإن هذا العقل الغربي تجده يضع مصطلحات خاصة من عنده للإرهاب ـ الذي يتأبطه ويتخذه سلاحًا ـ حسب ما يتواكب مع تحركه ومصالحه، فإذا كان الإرهاب في مكان ما يسير باتجاه تنفيذ مشاريعه الاستعمارية وتحقيق مصالحه فإن التعريف الحقيقي لهذا الإرهاب يجب أن يختفي ويعطى مصطلحات وشعارات تغطي حقيقته، وإذا كان الإرهاب يسير في الاتجاه المعاكس لمشاريع العقل الغربي المستعمِر وضد مصالحه فإن الإرهاب يجب أن يعطى مصطلحه الحقيقي، ويجب مكافحته وقطع مصادر تمويله.

وفق هذا التقدير، يتم تصنيف الجماعات الإرهابية اليوم في المنطقة حسب “مع” أو “ضد” قوى التآمر والاستعمار، ويظهر هذا بصورة جلية في موقف الولايات المتحدة ومن معها في حلف التآمر والعدوان على سورية، حيث إن ما يتعرض له الشعب السوري ـ وفق المفهوم الأميركي للإرهاب ـ من إبادة وتشريد ودمار لوطنه ليس إرهابًا وإنما هو “جهاد” لا بد من “دعمه” حتى يتمكن السوريون من تحقيق تطلعاتهم، وبالتالي فإن العصابات الإرهابية التي تعمل تحت راية حلف التآمر والعدوان وتحت مسميات عدة (داعش) و(النصرة) و(الجبهة الإسلامية) وغيرها من التسميات المخادعة والزائفة، وتقوم بنقل الموت المجاني والتدمير الممنهج للبنية التحتية في سورية هي ليست عصابات إرهابية، بل هي جماعات “جهادية” تعمل على “رفع الظلم” ونشر “الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان والحريات” وينبغي دعمها بكل ما تحتاجه.

أما هذه العصابات الإرهابية ذاتها التي تعيث فسادًا ودمارًا وقتلًا في العراق فهي عصابات إرهابية يجب مكافحتها والتخلص منها.

لماذا؟ إن الجواب بكل بساطة هو أن هذه العصابات تهدد المصالح للمستعمرين الجدد وتفضحهم وتعري كل ما ساقوه من ادعاءات وشعارات كاذبة حرصوا على التستر عليها من قبيل “نشر الديمقراطية وحماية المدنيين وحرية التعبير”، الأمر الذي لن يمكِّنهم من الاستمرار في نهب الثروات وتدمير مظاهر القوة لا سيما قوة العقل والفكر التي يتم تجريفها بصورة ممنهجة في الدول العربية التي صدَّروا إليها إرهابهم.

لذلك يبقى التناقض سيد السياسة للقوى الاستعمارية الغربية، وبالتالي لا اندهاش من قيام مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي بإجراء تحقيقات في ملفات مواطنين أميركيين من أصل صومالي سافروا من منطقة سان بول بولاية منيابوليس إلى سورية لينضموا إلى الجماعات الإرهابية، في الوقت الذي يؤكد فيه مسؤولون في الإدارة الأميركية أن الولايات المتحدة زودت العصابات الإرهابية في سورية بأسلحة فتاكة وغير فتاكة، وأن الإدارة تؤيد ما ورد في مشروع قانون دفاعي لمجلس الشيوخ سيسمح بتدريب عسكري علني لتلك العصابات الإرهابية وتزويدها بالعتاد تقوده قوات العمليات الخاصة الأميركية.

كما أنه لا اندهاش من الموقف الأميركي الداعم للإرهاب في سورية والرافض لتصنيف جماعاته بأنها إرهابية والتي تتكون من ما يسمى الجيش الحر وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والجبهة الإسلامية وغيرها، وتناقضه مع تصنيف الولايات المتحدة لما يسمى تنظيم “داعش” في العراق بالإرهابي.

أليس في ذلك استخفاف بعقل المواطن العربي واستخفاف بدمه وابتزاز لكرامته واستقراره وأمنه، ومتاجرة بحقوقه؟ إن الإرهاب له وجه واحد ومصطلح واحد، لا يمكن أن يسوق سحب الخير في مكان ويسوق الكوارث في مكان آخر.