الشريط الإخباري

محمد أسعد سموقان:الأسطورة حاضرة بتجارب أغلب التشكيليين السوريين

دمشق-سانا

اختار التشكيلي محمد أسعد لقب “سموقان” ليكون اسمه الفني الذي رافقه طيلة سنوات عمله مع اللوحة والألوان فهو من خلال تجربته حول حضارتي بلاد الرافدين وأوغاريت في اوائل الثمانينات أعجبه الإله الراعي للشجر والغابات والحيوانات سموقان فاستمد طاقته الفنية منه واعتمده اسما له.

يعتبر سموقان ان اللوحة مشروع بصري أكثر مما هو دلالي فهو يبحث في الشكل أولا وأخيرا والذي يمثل لديه القائد للمعرفة وليس العكس فيكون الموضوع الذي يتناوله مشروع دراسة لعنصر ما أو لمجموعة عناصر على سطح اللوحة.2

تمارس عناصر لوحة سموقان عروضاتها الجمالية والتي يمكن أن توحي للمشاهد بمفاهيم دلالية متعددة على سطح اللوحة وقد تختلف الدلالات من مشاهد لاخر ولكنها في مجملها تكون موصلة لرسالته التي أرادها حيث يعتمد الوجوه البشرية والتكوينات الحيوانية عناصر أساسية في العمل وذلك يظهر بوضوح في تجاربه المتعددة التي حملت أسماء قصة بعل وأغاريت وجلجامش وأبجدية الأزرق.

يقول سموقان في حديث لـ سانا: إن اللون في اللوحة دوما هو الأساس للدخول في سياقات متعددة ان كان هذا السياق جملة تشكيلية أم نصا من أجل قراءة جديدة له فعندما يكون اللون هو الكشف عن الجسد الذي يغطيه فغنه يثير فضول المشاهد .. ويتابع .. أحاول دوما ان لا يكون اللون تغطية لمساحة من الشكل بل على العكس فاللون هو الذي يساعد المشاهد لاكتشاف الشكل الذي يغطيه اللون واعتمد في ذلك على تأثير الضوء الذي يحمله هذا اللون.

وعن تجربته الأخيرة أبجدية الأزرق يشير سموقان الى ان هذه التجربة تتقاطع مع الفنون التشكيلية الأخرى من نحت وحفر وإعلان كما تتقاطع مع فن التصوير الضوئي وهناك دور ر ئيسي فيها للمسرح والسينما لصياغة الأبجدية المتخيلة.

وأشار إلى أنه يعمل على التأثير النفسي والجسدي على المشاهد فيجعله يدرك بصريا اللون ويعيشه نفسيا فمشهد الصيد ورؤية السمكة والصنارة توقظ من الذاكرة تداعيات كثيرة منها عنف اللون الأزرق وهدوءه فتتغير دلالات الألوان كما أن الشفافية العالية للون تحرك الحس اللمسي عند المشاهد.3

ويوضح سموقان انه إذا كان الحس البصري عند المشاهد باردا لوقوفه على مسافة من اللوحة فجميع عناصر العمل في أبجدية الأزرق تدعو المشاهد ليلمسها وبذلك تخلق حالة تراسل الحواس لدى المتلقي.

وتتوقف المدلولات لتخرج من حالة الصورة الذهنية كانطباع ويصبح البصر في حالة تعرف على المفترض وغير المتوقع من الشكل ودلالات اللون فيعيش المشاهد حالة من الحلم والهلوسة البصرية ويتابع حركة العنصر بانبهار على حد تعبير سموقان.

ويرى الفنان ابن مدينة اللاذقية ان الحركة التشكيلية السورية اليوم ليست على ما يرام بسبب انحسار أماكن العرض للأعمال الفنية وإغلاق أغلب الصالات للظروف الصعبة التي يعشيها البلد مبينا أن التفاؤل بعودة الحياة للفن التشكيلي السوري كما كان موجودا لأنه فن يقوم على الجهود الفردية.

ويعتبر الفنان والناقد التشكيلي ان الفن السوري سيكون بخير بوجود مجموعة من الشباب المميزين الجادين والذين يطرقون أبواب الحداثة بقوة ويملكون الجرأة على التغيير والاختلاف وهذا يتطلب المزيد من الرعاية والدعم المادي والمعنوي لهؤلاء الشباب.

ويقول..إن الفنان السوري لم يتوقف عن العمل طيلة سنوات الأزمة بل ان هذه الظروف حرضت مجموعة كبيرة من الفنانين لأن يعملوا بشكل مضاعف ولو أن اغلب مواضيعهم لم تكن لها علاقة مباشرة بالأزمة لكنها عبرت عن نوع من المقاومة من أجل الجمال والحق والخير.

ويضيف..تضاعف عملي خلال فترة الأزمة حيث رسمت مئات الأعمال منها الصغير جدا الذي لا يتجاوز حجم كرت الفيزيت ومنها الكبير جدا الذي يصل طول بعضها الى ثلاثة عشر مترا وخاصة الأعمال التي تنتمي لتجربتي أختام سورية معاصرة أو تلك الاعمال المستمدة من الأساطير السورية كملحمة بعل.

وشارك سموقان في السنوات الثلاث الماضية بمعارض جماعية كثيرة في مدينة اللاذقية الى جانب معرض الخريف السنوي الذي لم ينقطع عنه أبدا الى جانب تقديمه لمعرض أبجدية الأزرق في نادي الأوركسترا باللاذقية.

وحول قدرة الفن التشكيلي على تقديم ذاكرة بصرية للأزمات والحروب يقول سموقان..إن الفن التشكيلي الجاد لا يسجل الحدث بشكل مباشر انما يحاول أن يخلق حالات لونية من خلال الابتعاد عن المناظر المؤذية وتقديم المتخيل والحلم ليصبح واقعا على سطح اللوحة والاقتراب ما امكن من الجمال.

وعن خصوصية الهوية في التشكيل السوري يؤكد سموقان ان التشكيلي السوري غير منفصل عن واقعه ولا متقوقع على نفسه فهو في تواصل دائم مع التشكيل العالمي وبالوقت ذاته لكل فنان تجربته وخصوصيته التي تميز عمله عن غيره من أعمال الفنانين الآخرين.

تأخذ الأسطورة حيزا كبيرا في تجارب التشكيليين السوريين حيث يمكن للناقد المتخصص أن يميز اللوحة السورية عن غيرها من خلال وجود الرموز الأسطورية والملحمية والتراثية السورية كمكون أساسي في بناء العمل الفني سواء قصد الفنان ذلك أم لم يقصد بحسب تعبير سموقان.

وحول أسعار الأعمال التشكيلية السورية يقول سموقان إن سعر اللوحة في الصالات الخاصة وصل قبل الأزمة الى مستوى مقبول نسبيا أما سعرها في المؤسسة الثقافية الرسمية فهو متواضع جدا وقد يكون لوزارة الثقافة مبرراتها لأنها تقتني أغلب الأعمال الفنية في المعرضين السنويين.

ويؤكد صاحب التجربة التشكيلية الطويلة ان هناك تقصيرا كبيرا من قبل المراكز الثقافية سواء من حيث حجم الأنشطة او نوعيتها فهي في الغالب شكلية لا تقدم أي إضافة ثقافية للمجتمع ولا تبعث على التفاؤل مبينا ان المقاهي الثقافية الخاصة كانت أكثر قدرة على تقديم أنشطة وفعاليات ثقافية أهم من تلك التي تقدمها المراكز الثقافية الرسمية والتي صار دورها في المجتمع معدوما منذ سنوات.

يرى سموقان ان المؤسسة الثقافية الرسمية لا تقدم المطلوب منها اليوم فيما يخص الفن التشكيلي وغيره من الجوانب الفنية والثقافية بسبب عدم وجود كوادر إدارية مؤهلة ومتخصصة بالإدارة الثقافية في مديريات الثقافة في المحافظات.

ويختم سموقان بالتأكيد على ضرورة وجود خطط مدروسة لتحقيق الحضور القوي للفن التشكيلي داخل سورية وخارجها من قبل المؤسسة الثقافية الرسمية بالتعاون مع الصالات الخاصة التي يجب أن تمتلك أيضا رؤية ثقافية وطنية إلى جانب عملها الاستثماري الهادف للربح المادي مع ضرورة ابتعادها عن الشللية مبينا أن لا خوف على الفنانين التشكيليين الذين يملكون تجارب خاصة مميزة فهم يعملون ويحققون منجزات مهمة تفوق إنجاز المؤسسات الثقافية.

الفنان محمد أسعد “سموقان” من مواليد 1951 عضو اتحاد الفنانين التشكيليين ولديه عدة تجارب تشكيلية مهمة منها تجربة العرض في الهواء الطلق وهي الاولى عربيا وتجربة اوغاريت واعمال التراث وتجربة ابجدية الازرق وابجدية الشكل وله العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها وأعماله مقتناة في بيت الفن العالمي في برلين وفي متحف الفن الحديث في اللاذقية وفي مجموعات خاصة في فرنسا وروسيا ولبنان وسورية.

محمد سمير طحان