«التباكي» الفرنسي بلغة التشفي

لا يخرج الطرح الفرنسي حول ما يجري في العراق، ومحاولة تجيير الفظائع التي ترتكبها داعش في بعدها الطائفي، عن شواهد أصابع التورط الفرنسي في كل ما تتعرض له المنطقة بامتداداتها الجغرافية والتاريخية، ولا يبتعد في محصلته النهائية عن الدور المرسوم لفرنسا في مرحلة التبعية المطلقة لأميركا،

لكنه في بعض الأحيان يعبر عن لغة الأطماع التي تستيقظ بين الفينة والأخرى، ليعكس في نهاية المطاف تقاطعاً إضافياً في تلك الأدوار والوظائف بشقيها الآني والمستقبلي.‏

المغالطة الفرنسية ليست في الطرح فحسب، بل في هذا الاقتطاع المتعمد لشريحة من النسيج الاجتماعي في المنطقة الذي يدين بوجوده لكونه جزءاً من تركيبة المنطقة وليس بالاعتبار الطائفي.‏

على مدى السنوات الماضية لم تتوقف السياسة الفرنسية بحلتها الهجينة من بقايا الساسة عن إتحاف العالم بالكثير من حالات التشفي السياسي التي تبطن في داخلها تجذراً للأطماع، حتى لو تغير اللبوس أو تبدل القناع، في عالم يزخر حتى التخمة بالكثير من الأحجيات السياسية والألغاز الدبلوماسية التي تحاكي الوجوه المختلفة للمشروع الغربي بدءاً من لائحة الإرهاب الممتدة، وليس انتهاء بالمكوث الإجباري في قاطرة الانتظار لتسويق المشيئة الأميركية بنسختها الإسرائيلية.‏

فاللهاث الفرنسي، ليس حالة طارئة في السياسة الفرنسية، وهي تنفخ في رماد ما تبقى من النيران التي أشعلتها بعدوانها المباشر وغير المباشر على دول المنطقة، لكنه في جوهره يميط اللثام عن نسق النفاق الذي تتبناه هذه السياسة في التعاطي مع قضايا المنطقة وما تمليه عليها أطماعها الاستعمارية من طرح يتجاوز حدود المنطق، ويقدم صيغاً من الخبث السياسي الممزوج بكثير من الدونية.‏

لا أحد في هذا العالم لديه الاستعداد للمراهنة على مزيد من الوهم، خصوصاً حين يقترن بهذا العقل الأوروبي المتورم تجاه المنطقة وخليطها الإثني والعرقي والديني الذي يشكل في تركيبته الاجتماعية تنوعاً تفاخر به المنطقة وتتمايز فيه، وما يمارسه ساسة باريس كان تأجيجاً لفتنة ستطول من أيقظها.‏

اللعق الفرنسي على الأبعاد الطائفية لقضايا المنطقة، يبدو أبعد من مجرد طرح في إطار الهزال السياسي الذي تعاني منه أوروبا بعد أن فقدت عمقها في المنظومة السياسية، وغابت عن السماء الأوروبية الأسماء التي تمتلك الحد الأدنى من المصداقية، ويصل ذلك اللعق في بعض جوانبه إلى حدود الوبال على البشرية، كما هو على المنطقة عندما يعود إلى تقزيم المشكلة على أنها مجرد صراع بأبعاد طائفية، محاولاً تجاهل دور الغرب في تغذية الإرهاب، وتحديداً الأصابع الفرنسية في تأجيج حضوره، ليكون البديل لتعويض فشل المشاريع الغربية.‏

الجبهات التي يعيد فتحها النفاق الفرنسي لا تقتصر على التداعيات الآنية، ولا على ما تخفيه في جوانبها المختلفة من تموضع سياسي يتجاوز الحدود التقليدية، باعتباره ينتج في نهاية المطاف مقولة مغالية في عنصريتها الدينية، بل يمهد الطريق أمام تبلور رؤية الإرهاب للمنطقة وحدود التداخل والتقاطع بين الأطماع الغربية، وبين أجندات الإرهاب المتطابقة في رسم الإحداثيات على أسس طائفية أو إثنية وعرقية.‏

التباكي الفرنسي على المسيحيين في العراق، هو ذاته تباكي النفاق الذي سبق لفرنسا أن مارسته عبر عقود طويلة، ويشبه موقفها حين تتجاهل وعن عمد وسابق اصرار ما يتعرض له نسيج المنطقة من عدوان مباشر، كما يتطابق مع ملامح القلق حيال الأوضاع في المنطقة، لكنه في تداعياته أبعد خطورة بحكم حالة الاشتباه التي تترجم موقف اللهاث الفرنسي وراء فتات التقاسيم الأميركية، وهي تدير الفوضى في المنطقة والعالم.‏

بين الماضي والحاضر تبدو التقاطعات أكثر بكثير من التباينات، وحالة التطابق في الجزئيات أكثر من الاختلاف في العناوين الخارجة من جلدها بحثاً عن الأوراق التي تعبث بها إدارة مشروع الفوضى في المنطقة، وتزيد من بعثرتها ملامح الارتباك الأميركي، بما فيها ما أفصحت عنه مداولاتها في إدارة العدوان على غزة، والتهافت الأعرابي على المشاركة بحثاً عن منبر يعيد تعويمها.‏

بقلم: عـــلي قــاســـــــم

انظر ايضاً

انطلاق فعاليات مهرجان صدى المحبة في دورته الثانية على مسرح دار الأسد باللاذقية

اللاذقية-سانا بدأت اليوم في دار الأسد للثقافة بمدينة اللاذقية فعاليات الدورة الثانية من مهرجان صدى …