الشريط الإخباري

بيوت الطين والحجر.. تراث حي معجون بتفاصيل الإنسان

اللاذقية-سانا

ربما لكونه نسيجا من طين ارتبطت علاقة الإنسان بالأرض منذ القديم فبدت وطيدة تؤكد إصراره في البقاء والكينونة فوقها فبنى بيوته ومحمياته وصنع أدواته ولوازمه من طينها وحجرها فامتزجت جميعا بأحلامه وطبائعه ومنها لم يزل ينبض بالحياة من بيوت وأدوات وآثار تنتمي إلى تراث الأجداد تحن إلى ماضيهم وتحتضن حاضر أبنائهم فقطنوها بعد أن اعتادوا أمانها ودفأها.

ويعود استخدام الإنسان لفن العمارة الطينية إلى تاريخ موغل في القدم حيث لم تكن تتوافر مقومات الحضارة التي أنتجت العمارة الحديثة فابتدع الإنسان من الطين والحجر والقش وكل مخلفات الطبيعة والنبات منازله وأدواته.

2وخلال جولة عبر طرقات سلسلة الجبال الساحلية السورية وسط أشجار وغابات السنديان والصنوبر الأخضر المتدرج وفي مجمل القرى مثل بسنديانا ودوير بعبده والدالية نجد بيوتا من الطين والحجر مترامية هنا وهناك لا تزال تتحدى الزمن وتنبض بالحياة ويقطنها البشر وهي في هذا الزمن تبدو كمعلم حضاري يأسر القلوب ويجلب السياح.

في قرية بسنديانا ترفض أم حسن التي تقطن في أحد البيوت الطينية استبدال منزلها الطيني القديم بمنزل جديد وتقول لا أبدله بقصر يلدز فهذا البيت ورثه زوجي عن اجداده.
وترحب ام حسن بزوارها وهي تحتضن طبق القش وقد اعتلاه فطائر الزلابية المعجونة بالزبد والسكر بعد أن تم خبزها في فرن التنور المبني أيضا من الطين والقش لتقدمه بكل كرم وعطاء لمن زارها .

أما أبو مرزوق فيتحدث عن آلية بناء منزله الطيني بعد أن أضاف إليه غرفة صغيرة التصقت به حيث ضاق عليه منزله القديم فقام بإعداد اللبن الذي يتم صنعه من الطين بعد خلطه بالتبن لتقويته وتماسكه ثم توضع العجينة ضمن الملبن وهو قالب من الخشب على شكل صندوق مفتوح من الجهتين وبعد أن يجف المزيج يقوم البناء بصفها ليتم بناء الحائط بالكامل وبعد أن يجف تبدأ عملية اللياسة براحة اليد وهي أيضا مزيج من الطين والتبن لتأتي في النهاية عملية التزيين الجمالي من أحجار الطبيعة المتنوعة على الأبواب والنوافذ.

وبالرغم من بساطة بناء المنزل الطيني إلا أنه لا يزال يتمتع بالجمال رغم التطور العمراني الكبير وأصبح مطلبا للعديد من الناس وتشير الدراسات الحديثة الى اثر البيت الطيني الإيجابي على صحة الإنسان ففي تقرير نشره مختبر البناء التجريبي في مدينة كاسل السويسرية يستعيد بيت الطين أمجاده السابقة فهو لم يعد رمزا للفقر وأكد الباحث حيرنوت مينكه الملقب بعراب الطين أن للبيت الطيني منافع لقاطنيه فهو يمنع دخول ذرات الغبار الصناعي عبره ويصد الموجات الكهرومغناطيسية عالية التردد التي يحفل بها الغطاء الذي يحيط بالأرض اليوم كما يؤمن العزل الحراري الكامل في الحر والقر عدا عن أنه يكسب قاطنيه الوداعة والبساطة والجمال الذي لم تبخل به الطبيعة يوما فجاد به من تعامل معها ولامسها حتى عكس صورتها.

صبا العلي