الشريط الإخباري

آل سعود.. رسائل أميركا غير المشفرة!!-صحيفة الثورة

لا يبدو السؤال بريئاً، ولا نريده كذلك، في وقت لا تعترف فيه السياسة -بمصالحها وأطماعها- بالبراءة ولا تأخذ بها، وهو لا يؤشر إلى حسن نية تجاه سلالة أوغلت في تآمرها وقامرت بيعاً وشراء بمصير الأمة ووجودها وقضاياها، وباتت خطراً على نفسها ومحيطها الإقليمي والدولي، ومصدر قلق لأصدقائها وحلفائها أكثر مما هي على أعدائها وخصومها..!!‏

أميركا التي نعرفها ويعرفها العالم لا تتحرك في الفراغ وتحديداً فيما يخص أدواتها المعتمدة في المنطقة، ولذلك لم يكن من العبث أن يتزامن الإفراج عن وثائق ويكيليكس مع نشر نيويورك تايمز ما تعتبره وثائق دامغة على تورط الملك سلمان شخصياً والأسرة الحاكمة في السعودية بدعم تنظيم القاعدة، وإن كانت المعلومات الواردة في الوثائق ليست جديدة في إطار المتداول عن علاقة السعودية بنشأة وتمويل التنظيم على مدى عقود خلت.‏

فالإشارة هنا ليست بوارد تأكيد تلك العلاقة المعروفة للقاصي والداني، بقدر ما تلمح إلى دور سعودي مسكوت عنه منذ قرابة أربعة عشر عاماً في أحداث الحادي عشر من أيلول، وهو الدور الذي أثير في بعض الأروقة الأميركية الجانبية من دون أن يُسمح له بالبروز أبعد من ذلك، وحتى لم يكن متاحاً الأخذ به لدى دوائر القرار الأميركي لاعتبارات تتعلق بالحسابات الأميركية ووظيفية الدور السعودي في تلك الحسابات.‏

اليوم.. إعادة إثارتها على لسان ذوي ضحايا الحادي عشر من أيلول تحرك أكثر من إشارة استفهام، وتفتح الباب على مصراعيه أمام استنتاجات وتحليلات يتسابق إلى التقاطها العديد من الأطراف في أعقاب ما أثارته وثائق ويكيليكس في مضمونها وتوقيت نشرها، بما تحمله من رسالة أميركية مباشرة بأن الغطاء على العائلة السعودية الحاكمة لم يعد كما كان في الماضي أو هو في الحد الأدنى بـ «لفت انتباه» أميركي كي تحدّ من استطالاتها التي تورمت في الأشهر الأخيرة.‏

في كل الأحوال سيكون من المبكر الحديث عن رفع الغطاء الأميركي، من دون أن يكون مستبعداً في إطار المسعى الأميركي إلى إعادة تدوير موقع أدواتها وشدّ الأحزمة التي تتهيأ له، مع ترافقه بإشارات ضمنية إلى تقديم الدور الأردني على السعودي وتفضيله على القطري بعد تعثر التركي في انتخاباته الأخيرة وما يعنيه من انشغال طويل الأمد في حلحلة المشهد السياسي التركي في المرحلة القادمة.‏

فأميركا حين تقرر العودة إلى النبش بأوراقها القديمة، وتحديداً فيما يخص السعودية على كثرتها، تكون قد حزمت أمرها في تحديد وجهتها القادمة قبل ذلك وبوقت طويل، لكنه تقتضي الضرورة والمصلحة الأميركية عدم الإفصاح المباشر عنه في سياق البحث عن قضية تشغل المنطقة والعالم، بينما تتحضر لخياراتها الأخرى، وبالتالي من المسلّم به أن أميركا لم ترفع كامل الغطاء بقدر ما تريد أن تثبت العديد من الإشارات في إطار السعي المتدرج إلى تقليم الحالة السعودية تمهيداً لإقصاء العائلة المالكة في وقت لا يبدو بعيداً.‏

ما يدفع إلى الاعتقاد بأن أميركا تفكر جدياً في الأمر لا يقتصر على التزامن في النشر والإفصاح، بل يتعلق بحديث متزايد عن رغبة أميركا في العودة إلى الحضور المباشر في المنطقة عبر الطلب بإقامة المزيد من القواعد العسكرية في العراق، رغم النفي اللاحق لها، ما يجعل الكثير من أدواتها فاقدة لأهميتها وحضورها، وهو ما تكشف عنه تفاصيل العلاقة المضطربة التي تسود بين واشنطن والرياض على خلفية تخلف الملك سلمان عن قمة كامب ديفيد.. وتضارب وجهات النظر حول اليمن، وغياب التنسيق المباشر فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، بعكس ما كان سائداً في الفترة الماضية.‏

يبقى اللافت أن أميركا حين ترغب في حرق الأوراق لا تغيب عن حساباتها التفاصيل الجزئية، بما فيها تلك التي تحمل إشارات سياسية ذات مغزى محدد، ويبدو أنها زادت من جرعة تلك الإشارات حيال السعودية ،إلى الحد الذي يدفع بأن التراكم الكمي فيها لا بد أن يقود إلى إشارات نوعية تفوق ما اتضح حتى اللحظة، بما فيها مثلاً تحميل السعودية مسؤولية أحداث الحادي عشر من أيلول بشكل مباشر أو غير مباشر، خصوصاً أن أميركا تريد أن تطوي صفحة القاعدة لتتفرغ لصفحة داعش المفرودة اليوم على كامل مساحة الاهتمام الأميركي.‏

في المحصلة نحن أمام تدافع في المعطيات والمؤشرات والرسائل المبطنة والمعلنة وأغلبها غير مشفر، ما يشي بأن الأيام المقبلة حُبلى بمفاجآت غير محسوبة، وأن النهايات التي وصل إليها الكثير من الأدوات في المنطقة ينتظر العائلة الحاكمة في السعودية ما هو أسوأ منها، حيث السقوط هنا سيكون بمباركة أميركية، وربما برغبة مسبقة، بعد أن باتت عبئاً يثقل كاهل الحسبة الأميركية، وإن التعلق بالقشة الإسرائيلية في ميزان المعادلات الكبرى لا ينفع لإنقاذ الغريق السعودي، بقدر ما يزيده غرقاً.‏

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

ما وراء طرح دولة منزوعة السلاح ..؟ بقلم: ديب حسن

أخفق العدوان الصهيوني في غزة وعرى الكيان العنصري أمام العالم كله، ومعه الغرب الذي يضخ …