الشاعرة لبنى مرتضى في مجموعة عرق الذهب نحو فضاء مفتوح

دمشق-سانا

تتناثر الكلمات في مجموعة عرق الذهب للشاعرة لبنى مرتضى في تشكيلة فنية خارجة من سياق الوزن والقافية موغلة في المعنى لتشكل لوحة شعرية تعج بالرمز والإيحاء والضوء والعتمة معبرة عن خبايا الذات الإنسانية في تقلباته.

وإذا كان الشعر معنى ومبنى فالشاعرة تخرج عن البنية التقليدية للقصيدة الكلاسيكية إلى فضاء مفتوح يتسع لأفق المعنى وعمقه ويستطيع حمل القلق الأبدي الذي يؤرق الشاعرة ويستطيع إصابة غرضها الكائن في سماء بلا حدود ليفتح غلال الغيوم المثقلة بالرغبة والحب..

أما كان للحلم رمح يصيب السماء

ويفتح غلال الغيوم المقطرات

بالحب والرغبة والأمل.

وتحلق الشاعرة في فضاء الكلمة والصمت لترسم لوحة فنها بريشة من ظل ونور فالكلمة كانت في البدء وتبقى ووظيفة المبدع والشاعر أن ينطق بها كي يشدو بها الطير في فضائه وتستقر في مكانها الأشياء..

أن تنطق الكلمة خير من أن تحرقها

ليغدو الطير منشدا والهمس المترقرق

عندما تبدأ الكلمة يستقر الغدير في منحنى الجبل

والشعر كغيره من الفنون عملية هدم وبناء هدم لقيم بالية ومعان قديمة عفا عنها الزمن وبناء لقيم جديدة تليق بتغيرات الزمن ومفرزات الحضارة ومفرداتها فالشاعرة مرتضى تعجب ممن علمونا بل ضحكوا على عقولنا ببقايا العهود الغابرة من أفكار وعادات وتقاليد مجحفة بحق الإنسان..

عجبي من أناس ضحكوا على من قبلنا

وساروا بمتاهات رسمها قدر

يحدق بعيني زبد يبحث عن وجود

في بحر سقى الأيام دهرا طويلا.

إن الشاعرة مرتضى ككل مبدع ترسم بكلماتها لخلق قيم جديدة طافحة بالحب رافضة للكراهية والقتل والحروب داعية إلى ما يشبه مدينة فاضلة أو يوتوبيا لا تعرف سوى المحبة والجمال..

أطير بأشواقي إلى

أشعة الشمس الملونة
نحو عالم لا حروب فيه ولا قتل

إلى عالم لا يكون الهاجس فيه رغيف الخبز والدفتر

إلى عينيك أغاني الطيور والوديا.

وتستطيع الشاعرة مرتضى أن توفق بين الشاعر الفنان الذي ولد من رحم الريح حاملا جنوحه ودهشته وعينيه اللتين تضجان بالأسئلة والطيبة والغرابة وبين الشاعر الإنسان الذي يحمل في نفسه عذابات الإنسان ومرارته وما بين الشاعر العاشق الذي يكتب بحبر الحدائق الجديدة قصائده..

وتألق برجي

مع ولادتي من الريح غاضبا بعين بنية عسلية

لكن الألم كان يحيط بي من أكثر الاتجاهات..

كل ماحولي من طيبة لا يبعث في إلا العذاب

كبرت وكبرت في داخلي عذابات الناس

لكن عينيك المستحيل الذي أحببته

ليأتي شتاء يتمم شتاء آخر

وما بينهما نفسي التي تكتب بحب الحدائق الجديدة.

وللشاعرة مرتضى علاقة قوية بالمكان فإذا كان التراب والماء والورد والياسمين هو الصورة المادية للأمكنة فالشاعر والإنسان هو الصورة الروحية له ولذلك تؤنسن الشاعرة المكان وتجعل من الشام شخصا يضمها وللوديان خاطرا تمر في فكرها وللجبال وجدانا تشعر بها..

وأحلم حين أحلم بالشآم تضمني

تلفني في عطرها وترابها

في خاطر الوديان ووجدان الجبال

تصدح في الأغاني الأمنيا.

مجموعة عرق الذهب للشاعرة مرتضى مجموعة غنية بالصور والمعاني والهموم الإنسانية والاجتماعية والوطنية وإذا خرجت عن موسيقا الخليل وتفعيلاته فقد احتوت على موسيقا داخلية عذبة هامسة انبثقت من انسياب العبارات بشكل رقراق وتناغم الكلمات والتراكيب والمعاني والتناسق بين العبارات وقدرة الشاعرة على تقسيمها بشكل يتناسب مع إلقائها أو قراءاتها على نحو موسيقي عذب.

بلال أحمد

انظر ايضاً

الشاعرة لبنى مرتضى تروي مسيرة 12 عاما مع الشعر الحديث

دمشق-سانا عبر مسيرتها الشعرية التي تمتد اثني عشر عاما أصدرت الشاعرة لبنى مرتضى خلالها مجموعتين …