الشريط الإخباري

متى تخلع الجامعة العباءة؟-صحيفة البعث

يبدو أن الجامعة العربية ستكون قريباً قادرة على خلع العباءة الخليجية، عباءة البترودولار التي طمحت، وحققت بعض طموحاتها في مصادرة الوعي والإرادة في النظام الرسمي العربي، ما انعكس دماراً على مصائر الشعب العربي، وعلى مقدرات الأمة.

فقد طال الزمن الذي كثُر الحديث فيه، ولاسيما بعد نجاح حركة التحرر والاستقلال العربية، عن مخاطر الرجعية العربية على المشروع القومي التحرري من المحيط إلى الخليج، وكانت جماهير الشعب العربي من عمال وفلاحين، وكذلك النخب والطليعيون، ترى في الرجعية العربية عبئاً على الوعي والانتماء والتاريخ والمستقبل. وهناك عشرات آلاف الكتب والأبحاث والندوات من مشرق الوطن إلى مغربه تؤكد هذا.

وأتى زمن الخراب العربي ليدخل عامه الخامس فإذا بالسحر ينقلب علينا، وفجأة دون سابق إنذار نرى دويلة كقطر تتمدّد وتنتفخ على المسرح الإقليمي والدولي، وتتوجه إليها النخب المأجورة من اليمين واليسار والوسط حتى كادت تصير «أرض الأحلام»، وهكذا ظنت بنفسها الدول العربية الرجعية، ما أنعش غربان الرجعية والتكفير والإرهاب في كل قطر عربي.

هذا دفع بعض زعماء مجلس التعاون الخليجي ليرى أن المجلس صار أكبر من الجامعة العربية، بل يمكن أن يكون بحجم الأمم المتحدة، أو مجلس الأمن «بترودولار» وساعد على ذلك وجود نبيل العربي الذي لم يسبق للجامعة أن عرفت أميناً لها خائناً للعروبة، فطرح هؤلاء مسألة امتداد المجلس ليطال المغرب العربي مروراً بالأردن… من مبدأ الابتزاز والمقايضة السياسية بالمساعدات. وهذا ماحدث فعلاً.

لا يمكن للجامعة في تاريخها وحاضرها ومستقبلها أن تكون عربية إلاّ بناءً على معيار أساسي هو مناهضة المشروع الصهيوني الذي يُستبدل خطره الآن بالمشروع النووي السلمي الإيراني. ولذلك لا يُستغرب أن يكون طرح الاجتماع الأخير لوزراء خارجية الجامعة حول القوة العربية المشتركة، مُسقِطاً من حسابه كلياً خطر الاحتلال الصهيوني الذي يدعم «الشقيقين» المعارضة المعتدلة والتكفيريين، ضد الدولة الوطنية والمعارضة الوطنية.

كان حديث نبيل اللاعربي واللاأمين عن هذه القوة بائساً وإشكالياً في ظرف غير مناسب، فهذه القوة لم تُطرح في عدوانات 1956- 67-82-96-2006-2008، وصحيح أن الأمن الوطني والقومي العربي مهدد اليوم بقوة، لكن هل يمكن لعديد دول الجامعة التي تقيم علاقات مباشرة مع «إسرائيل»، وتدعم التكفير والإرهاب أن تشكل قوة تحفظ هذا الأمن؟!! إذن هناك انزياح في أذهان هؤلاء حول مفهوم الخطر المصيري.

أيضاً في هذا الاجتماع الوزاري الأخير للجامعة دُعيت مارغوت فالستروم وزيرة خارجية السويد إلى القاهرة لإلقاء كلمة فاعترضت السعودية، فقدّم «أمين» الجامعة اعتذاراً للوزيرة التي مُنعت من الحديث عن الديمقراطية والمرأة ومحاربة الإرهاب، بينما في السنوات السابقة كان يُطلق العنان لمجرمي حزب العدالة والتنمية الحديث عما يرغبون، إنها العباءة… التي يزداد رفض الشعب العربي لسطوة البترودولار وخرابه المادي والمعنوي ليس في المنطقة فحسب، فأوروبا تئن وتقلق من «بترودولار الدم»، وكذلك العالم. وهذا مغيّب في الجامعة، وكذلك في الأمم المتحدة بتاريخيهما المتشابه.

ومن منطلق التفاؤل الثوري الحقيقي، لا الزائف، فلن تستطيع الجامعة الاستمرار في الانصياع لمتطلبات التحالف الرجعي الصهيوني المعلن، فهناك اليوم تنامٍ في عدد الدول التي تعي ذلك، وترى خطأ وخطراً في غياب «قلب العروبة النابض» عن مؤسسات العمل العربي المشترك كافة، ومن منّا لا يعلم أن بعض الأشقاء كان مكرهاً في التساهل مع هذا التغييب المضرّ، والطارئ بالتأكيد؟

لا شك في عودة الوعي، والانتماء لأصالته الحقيقية، فصمود الشعب السوري وجيشه العقائدي ومؤسساته الوطنية ليس هدية للعروبة والإسلام فحسب، بل هدية للإنسانية، فالعالم كله قلق اليوم من الإرهاب التكفيري الجوّال.

واليوم نسمع من أشقاء وأصدقاء كُثر ما مفاده أننا «سنكون فخورين بالأسد لأنه قاد صمود شعب سورية، وأرسى دعائم حركة تحرر من نوع آخر لا تزال غير نوعية، بسبب ضباب الخراب، لكنها في جوهرها ومنطلقها صمود دائم ومقاومة لا تلين ضد الصهيونية والرجعية التكفيرية والامبريالية». ولن ينجح أزلام الجامعة ولا غيرهم في القفز فوق ذلك.

بقلم: عبد اللطيف عمران