معركة الروبل بقلم: محمد الجاسم

بعكس الآراء والتحليلات التي توقعت تدهور قيمة الروبل الروسي على خلفية العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا في أعقاب العملية العسكرية في أوكرانيا أواخر شباط الماضي، ارتفع الروبل خلال الأسابيع الأخيرة أمام الدولار واليورو إلى مستويات قياسية.

الروبل واصل ارتفاعه مسجلاً في نهاية هذا الأسبوع أقل من 62 روبلاً أمام الدولار، كما بلغ سعر صرف اليورو بواقع 17’2 إلى 62.13 روبلاً، فيما أظهرت تقديرات روسية أن سعر صرف الروبل صعد في بورصة موسكو أمام الدولار بنسبة 4ر15 بالمئة في أيار الماضي.

الارتفاع في قيمة الروبل عزاه خبراء اقتصاديون إلى الإجراءات الاقتصادية الذكية التي اتخذتها روسيا للمحافظة على قيمة عملتها، ومنها قرار البنك المركزي الروسي خفض سعر الفائدة الرئيسي بشكل مفاجئ بواقع 3 بالمئة إلى 11 بالمئة سنوياً.

ومن العوامل الأخرى التي حالت دون انهيار الروبل قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أواخر آذار الماضي بتحصيل ثمن صادرات النفط والغاز الروسيين إلى الدول غير الصديقة بالروبل، عبر آلية معقدة تتضمن إنشاء حسابين مصرفيين مرتبطين للتعامل مع الصرف الأجنبي، وهو ما دفع تلك الدول وخاصة الأوروبية، إلى البحث عن العملة الروسية لدفع ثمن مستورداتها، ما عزز قيمة الروبل بشكل كبير.

وقد أجبرت تلك الإجراءات نحو 54 شركة طاقة أجنبية مرتبطة بعقود مع الشركة الروسية للنفط “غازبروم” إلى فتح حسابات لتسديد مدفوعاتها بالعملة الروسية بدلاً من اليورو والدولار.

قرار الدفع بالروبل له أهداف اقتصادية بينها زيادة الطلب على العملة الروسية كما أن لها معنى  مزياً يأتي في سياق محاولة روسيا كسر هيمنة الدولار واليورو ، كما أن هذه الخطوة تمت لتذكير الأوروبيين بدرجة اعتمادهم على الموارد الروسية لا سيما الغاز، لأنهم يتمادون في فرض العقوبات ويدعون في نفس الوقت استعدادهم للتخلي عن الغاز الروسي.

معركة الروبل، معركة مهمة جداً بالنسبة للروس في سياق عمليتهم العسكرية الجارية، وهم يخوضون حرباً دفاعية شرسة عنه، خاصة أن المسؤولين الروس يدركون أن المتضرر الأكبر من العقوبات الغربية على روسيا هم الأوروبيون الذين ليس بمقدروهم التخلي عن النفط والغاز الروسيين، وبالتالي هم من سيدفعون ثمن تلك العقوبات الجائرة، سواء لجهة ارتفاع الأسعار والتضخم في بلدانهم أو لجهة فقدان آلاف الوظائف ذات الصلة.

ورغم الضغوطات الاقتصادية على روسيا أصبح الروبل من أقوى العملات العالمية، حتى أن قناة سي بي اس التلفزيونية الأمريكية وصفت قبل أيام الروبل بأنه أكثر العملات استقراراً وفعالية هذا العام، فيما أكد محللون أن الروبل لم يستعد مراكزه المفقودة فحسب بل تعزز أيضاً بأكثر من 30 بالمئة ليصبح عملة الأسواق الناشئة.