شغفها بتراث بلدها والحفاظ عليه دفعها لإقامة معرض فولكلوري في منزلها

حماة-سانا

نذرت سارة رزوق من أهالي منطقة السقيلبية في محافظة حماة نفسها ووقتها وحياتها للحفاظ على تراث بلدها من خلال تصميم مجسمات ولوحات فنية إبداعية تجسد الفلكلور الشعبي وتحاكي أدق تفاصيل مجريات حياة أهالي المنطقة وأساليب معيشتهم وعاداتهم وتقاليدهم وفقاً لما تختزنه ذاكرتها ومخيلتها ومعاصرتها لها منذ خمسينيات القرن الماضي.

وتقول الخالة سارة كما يدعونها أبناء مدينتها وأصدقاؤها والمقربون منها إن حبها لتراث منطقتها وشغفها به شجعها على تجسيد أفكارها بما يمثل ملامح ورموز هويتنا وثقافتنا وتراثنا الأصيل وأساس حياتنا المعاصرة مضيفة إن الشعوب التي ليس لديها ماض تتغنى وتفتخر به لن يكون لها حاضر أو مستقبل مشرق.

وقامت رزوق بجمع هذه الأعمال في معرض دائم بمنزلها إحياء لهذا التراث وأتاحت لجميع الزوار والضيوف مشاهدة ما يحويه من منتجات استغرق تصميمها أكثر من أحد عشر عاماً حيث أسست المعرض عام 2004 ولا تزال إلى يومنا هذا حريصة على إضافة منتجات فلكلورية جديدة معتمدة على ذاكرتها ووعيها لتلك الحقبة التي عاشتها في طفولتها .

ولفتت إلى أنها في البداية فكرت باستثمار موهبتها في الرسم لإعداد لوحات تجسد فلكلور منطقتها غير أنها عدلت عن الفكرة ورغبت في تجسيدها بمجسمات تعبر بشكل اكبر وأعمق عن العادات والطقوس القديمة لأهالي المنطقة رغم الجهد الأكبر والوقت الأطول اللذين يستغرقهما انجاز هذه المجسمات والتصاميم والدمى.

وعن أبرز الأعمال والمنتوجات التراثية التي يتضمنها المعرض أوضحت رزوق أن جميع المجسمات واللوحات أعدتها بشكل يدوي محض لامتلاكها خبرة في خياطة ألبسة المجسمات والتعامل الفائق مع الأقمشة والخشب والصلصال مضيفة أن المعرض يضم لوحة حول طقوس أهالي السقيلبية في العرس قديماً وتجهيز العروسين وأخرى عن كيفية زراعة القمح والشعير وحصاد الموسم ودرس الحب وتصنيعه إلى أغذية يتم حفظها كمؤونة للشتاء ولوحة أخرى تجسد صناعة أكلة “السيالة الشعبية” التي يتم فيها إنضاج رقائق العجين على صفيح معدني “صاج”.

كما يضم المعرض لوحة تعبر عن تلاميذ في إحدى حلقات العلم وكذلك فرحة الأهالي بالأعياد ولوحة تحاكي طرق وأساليب المعيشة في ذلك الزمان وما كان يكتنفها من معاناة وكدر وحب وألفة وتعاون بنفس الوقت ولوحة التنور التي تتحلق حوله النساء ويتشاركن في إعداد الخبز وتصنيع الزبدة يدوياً بعد خض اللبن بواسطة جرة فخارية وبالإضافة إلى طريقة تصنيع أكلة الملبن الفلكلورية والتي تتميز منطقة الغاب بتحضيرها منذ أقدم العصور وقوامها دبس العنب المطبوخ مع دقيق الطحين والمجفف تحت أشعة الشمس .

وعن مشاركاتها في المعارض الفلكلورية التي تنظمها الجهات الرسمية أو المنظمات الشعبية أشارت الخالة سارة إلى أنها شاركت في عدد من المعارض المحلية في بعض المحافظات وحصلت على عدة جوائز تقديرية بهذا الصدد مضيفة أن كثيراً من الوفود والزوار من سورية وبعض الدول العربية زاروا معرضها وأعجبوا بإتقان الأعمال والدراية الكبيرة بأدق تفاصيل الحياة العامة لأهالي منطقة السقيلبية في تلك الحقبة التاريخية والذين يمثلون  جزءاً من تراث سورية على امتداد أرضها.

وبينت أنهم أبدوا رغبة في نقل المعرض إلى بلدانهم لإطلاع أكبر عدد ممكن من مجتمعاتهم على تراث سورية وفلكلور شعبها العريق إلا أنها رفضت هذه الفكرة خشية تعرض المنتوجات الفلكلورية لأي أذى أو عطب خلال عملية النقل ولاسيما وأنها أمضت وقتاً طويلاً في شغلها وإنتاجها.

ونوه أنس جولاق عضو المكتب التنفيذي بمحافظة حماة لقطاع الثقافة بمبادرة السيدة رزوق ومساهمتها الرائدة في حماية تراث وفلكلور منطقة السقيلبية الذي يشكل أحد المكونات المهمة لتراث محافظة حماة الأصيل وحرصها على صونه من الاندثار أو النسيان لافتاً إلى أن هذا المشروع الفريد من نوعه من شأنه المساهمة في إحياء التراث المادي المتمثل بالأواني والأدوات والمقتنيات القديمة التي كان يستخدمها  أجدادنا في ممارسة حياتهم وقضاء أمورهم وأيضا إحياء التراث اللامادي وهو الأهم برأيه كونه يشكل علامة  فارقة تميز مجتمعنا كالعادات والتقاليد والطقوس والقيم الاخلاقية النبيلة والسلوكيات الاجتماعية المحببة التي كان يمارسها أجدادنا ويتحلون بها آنذاك.

وتبقى قصة هذه المرأة السورية مبعث فخر وموضع تقدير واحترام من قبل السوريين انطلاقاً من حرصها الدؤوب في الحفاظ على تراث بلدها وفلكلوره الأصيل النابع من رغبة ذاتية دون تلقيها أي تشجيع أو دعم مادي أو معنوي.

عبدالله الشيخ