الإرهاب في مقاربات أوباما

لم تكن الادعاءات الواردة في خطاب «حال الاتحاد» للرئيس أوباما عن الإرهاب ومكافحته والمقاربة الأميركية في ذلك، مجرد صياغات خطابية ومفردات سياسية اقتضاها العرف الدبلوماسي وفرضها التقليد الأميركي المعمول به، بل جاءت متخمة بنفاق سياسي فاق ما سبقه، وبلغة استعلاء كشفت عن هوة شاسعة بين واقع المشهد الدولي وبين الذهنية التي تحكم القرار الأميركي.‏

المفارقة أن الأميركي من رئيسه وصولاً إلى آخر درجات الهيكلية الإدارية والسياسية داخل إدارته، لا يزال يتصرف بعقل المتفرد، كقوة وحيدة في هذا العالم تفرض ما تراه ليكون هو السائد، وتملي استنتاجات بصيغة حقائق لتكون الوحيدة التي تراها واشنطن، وأوهاماً من النمط المستهلك والمكرور لتكون النموذج الذي يحاكي من خلاله كل ما يجري في العالم.‏

فمنهج الهيمنة الذي ساد على مدى عقدين ونصف من التفرد الأميركي بالعالم جاء هذا العام مطعماً بمزيد من مفردات اللغة المتعالية، الذي دأب الخطاب الأميركي على التمترس خلفها في مقاربات السياسة الخارجية، وخرجت كل المتغيرات الدولية وما رافقها من تبدل في ميزان القوى العالمية من التداول، في إصرار أميركي على تجاهل ما تعرض له مشروع الهيمنة الأميركية من انتكاسة واضحة وصريحة على مسرح الأحداث العالمية.‏

الأخطر.. مهاترته في استعراض مافعلته أميركا وستفعله.. والتي استقاها أوباما من الماضي، عند حديثه عن مواجهة الإرهاب وما يعنيه في أدبيات السياسة الأميركية من مراوغة ودجل، سواء ما يتعلق بما أنتجته تلك السياسة، أم ما يرتبط بتداعيات السلوك الغربي بكليته تحت وصاية الهيمنة الأميركية، وما أوصلت إليه في نهاية المطاف ممارسات الأدوات الأميركية في المنطقة، التي أوغلت في التعويل على الإرهاب، وراهنت بكل ما لها وما عليها في سبيل تحقيق ما يمكن أن يخدم الأطماع الغربية، التي كانت على الدوام في تطابق نهائي مع العدوانية الإسرائيلية.‏

بالطبع.. لا يحتاج الأمر إلى تفصيل في أن الكثير مما روّج له الرئيس أوباما تدحضه الوقائع وتلغيه المعطيات، بعد أن أراد أن يسوّق النموذج الأميركي في العمل خارج مجلس الأمن، رغم الويلات والأهوال التي نتجت عنه، ورغم ما يتماثل أمام نظر الإدارة الأميركية من مفارقات صارخة في المبدأ الأساسي المغالي في تجنيه على القانون الدولي، وما حملته تلك التجاوزات من مخاطر على الأمن العالمي وما نتج عنها من ضعف في مقومات وجود المنظمة الدولية.‏

في المكابرة الأميركية على النتائج والمبالغة الواضحة في المآل الذي ذهبت إليه، قد لا يحتمل الأمر حتى النقاش في ظل أكاذيب مرّت، وأخرى كان من الصعب أن تمر حتى لو تم تجريدها من كل ما علق بها، بحكم أنها تتناقض في المبدأ مع الترّهات ذاتها التي أوردها أوباما كقرينة، سواء ما تعلق منها بمكافحة الإرهاب أم ما كان في إطار الإشادة بالعقوبات الأميركية، التي تشكل بالأساس أحد مبادئ العدوانية الأميركية في موقفها وتصرفها تجاه كل من لا يكون تحت ظل هيمنتها أو يرفض القبول بما تمليه.‏

ما يُوقف عليه في خطاب أوباما يطول شرحه، والحديث عنه يأخذنا إلى أماكن أخرى، وما يعني العالم هي الخلاصات التي تحدد المراجعة الأميركية، التي ترفض حتى اللحظة الأخذ بما تم تداوله طوال العام الماضي من أخطاء وتراكمات باتت عبئاً وتركة ثقيلة على النظام الأميركي، بتعدد مستوياته واختلاف مرجعياته، والتي ترفض أيضاً الإقرار بفشل المشروع في المنطقة، والاعتراف بالمتغيرات العالمية.‏

ويبقى النفخ الأميركي في قربة مكافحة الإرهاب دون طائل، ومعه يبقى أي حديث عن المواجهة العالمية الموحدة للإرهاب مجرد تمنيات في سطور لم تُكتب بعد في الخطاب الأميركي، ولم تجد طريقها إلى الإرادة الأميركية، ولا يزال الإرهاب في المقاربة الأميركية هو ذاته حين أنتجته وحين سوّقته، أو عندما اعتمدته منهجاً وأداة لتنفيذ أجنداتها التي عجزت عنها بالهيمنة والعدوان والضغط والابتزاز، وفيه «السيئ» الذي يجب محاربته و«الجيد» الذي يجب مساعدته أو «المعتدل» الذي يجب تبنيه، ولا تزال أدواتها المموّلة والداعمة والحاضنة تتصدر اللوائح المعتمدة.‏

بقلم: علي قاسم