معركة الحوار و”الغبار” الأمريكي

يندرج الإعلان الأمريكي الأخير عن تخصيص خمسة مليارات دولار لمكافحة الإرهاب..!!، و”تثقيل” بعض “المعارضة” للحوار الداخلي بالشروط النافية لانعقاده، في سياق قاعدة عملية معروفة تقول: إذا أردت أن تحجب الحقيقة عن الأنظار فأثر الكثير من الغبار حولها.

والحال فإن المليارات الأمريكية ليست أكثر من عملية إثارة غبار مفضوحة حول حقيقة عدم جدية محاربة الإرهاب، لأن ألف باء الجدية يقتضي أولاً تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، حول قطع مصادر الإرهاب تمويلاً وتسليحاً، وإغلاق الأوتسترادات المفتوحة، تركياً وأردنياً بالتحديد، لكل راغب بحوريات الجنة، وتقتضي ثانياً التنسيق الفوري والمباشر مع المتضرر الأول منه، والداعي الأقدم زمنياً لمحاربته، والمحارب الفعلي له على الأرض، وهو الدولة السورية، كما يعرف الجميع وينكر البعض، وفي هذا السياق فإن الإعلان الأوروبي الجديد بحظر تصدير وقود الطائرات إلى سورية بحجة حماية المدنيين، ليس سوى إثارة أخرى للغبار حول عدم رغبتهم بمواجهة حقيقية وفعالة كالتي يقوم بها الطيران السوري.

وبالطبع فإن الأمر لا يتوقف على الجانب العسكري، ففي جانب من الحديث الأوروبي والخليجي عن قبول وتبني الحل السياسي، عملية إثارة غبار واضحة حول حقيقة هزيمة خيارهم العسكري، وفشلهم المدوي في منع حقيقة التقدّم السوري على الأرض، ليس عسكرياً فقط، بل سياسياً أيضاً، من خلال تقدّم المصالحات المناطقية، والارتفاع الملحوظ للوعي الوطني بالمخاطر، وانقلاب ما يُسمى بالبيئة الحاضنة، وما حالة عشائر الشرف في دير الزور، وأهلنا الكرام في دوما وغيرها سوى دليل بيّن على ذلك.

بيد أن المحزن في الأمر أن ينخرط بعض السوريين في هذه اللعبة، فيثير بعضهم بكلامه وضجيجه، وبعضهم بصمته -اللافت والمبّتز- الغبار حول حقيقة رفضهم للحوار حين يثقلونه بالشروط المانعة لقيامه، أو حين يتشبثون بتفسيرهم لـ “جنيف1″ وكأنه كتاب مقدّس، متناسين أنه كُتِبَ بغياب السوريين جميعاً، ومتجاهلين التغير الهائل للظروف الميدانية والسياسية التي واكبته حينها، وإن كنا، في هذا المجال، نتفهم حاجة البعض منهم لإثارة الغبار حولهم وهم يستعدون للجلوس على الطاولة من أجل حفظ بعض ماء وجههم، الذي أريق بسبب قراءتهم السياسية الخاطئة، التي أوصلتهم للخطيئة بحق الوطن، لكن طلب بعضهم الآخر، بل ومباركتهم، للحظر الاقتصادي الجائر على سورية بحجة الضغط على الحكومة، فليس إثارة غبار فقط، بل هو تأكيد أول على استمرار انخراطهم في الحرب على أبناء بلدهم، وتأكيد ثان على انفصالهم التام عن الواقع السوري اليومي، لأن “واقع” معيشتهم في فنادق الخمسة نجوم “المكيّفة” ليل نهار، لا يجعلهم يشعرون بمأساة من يدعون حصرية تمثيلهم.

والحال فإن الأحداث الدائرة منذ نحو أربع سنوات، ما كان لها، عند الخائفين على بلدهم، سوى أن ترفع الحوار من مستوى فرض كفاية إلى مستوى فرض عين، على ما يقول الفقهاء، فالأمر في سورية قد تخطّى مرحلة مطالب إصلاح “النظام”، أو “إسقاطه بكل رموزه وأركانه” على ما ردد البعض، إلى مرحلة تدمير الدولة بكل أركانها ومرتكزاتها، على ما أفصح بعض “الأشقاء”، الذين – للمناسبة – هم ذاتهم من باع فلسطين، ودمّر العراق، وقتل، على الأقل معنوياً، “عبد الناصر” ووأد مشروعه القومي، بل أطفأ كل بارقة ضوء، فكرية أو سياسية، لمعت في سماء هذه الأمة.

بهذا المعنى فإن معركة الحوار اليوم هي معركة تواز، وقد تفوق، بأهميتها كل المعارك الأخرى، بشرط أن تُخاض على أرضيتين، الأولى، الإقرار بأولوية مكافحة الإرهاب، والثانية، رفض التبعية، والتابعين، للخارج، لأن التابع سيكون، بواقع الأمر، “حصان طروادة” للممول والراعي والداعم، وما “الطائف” اللبناني سوى خير مثال على ذلك.

وبالمحصلة فإن كل الغبار الذي أثير سابقاً، ويُثار اليوم، لن يستطيع حجب حقيقتين، الأولى ومفادها أن الميدان يتجاوز الجميع، وحلب وجوبر مثال بيّن على ذلك، والثانية أن قيامة دمشق قادمة.. قادمة.

أحمد حسن

انظر ايضاً

الجولان في القلب بقلم: طلال ياسر الزعبي 

بعد مرور واحد وأربعين عاماً على قراره ضمّ الجولان العربي السوري، هل استطاع الكيان الصهيوني …