دمشق-سانا
أزمة المسرح في عرض مسرحي هي فحوى المقترح الجديد الذي يقدمه هذه الأيام المهند حيدر على مسرح القباني حيث آثر المخرج السوري الشاب أن يصوب على شجون المسرحيين وهمومهم ليكون أمس افتتاح أولى عروض مسرحيته التي عنونها بـ “حدث في يوم المسرح” عن نص للكاتب وليد إخلاصي ورؤيا إخراجية لحيدر دمجت بين أداء الممثل وتقنيات عديدة.
ويروي العرض الذي أنتجته وزارة الثقافة مديرية المسارح والموسيقا حكاية فتاة هجرت بيتها متخذة من المسرح بيتاً لها وشاب يعمل كموظف في المسرح القومي ليدور سجال بينهما حاول كشف العلاقة بين المشتغلين في فن الخشبة وبين الجمهور وذلك عبر حوارات ومواقف متباينة اعتمدت على المفارقة الكلامية في كثير من الأحيان ودمج مستمر بين عالم الصورة وعالم الخشبة .
“حدث في يوم المسرح” هو نص للأديب إخلاصي وهو مكتوب في بداية الثمانينيات يقول مخرج العرض حيدر في حديث خاص لـ سانا الثقافية ويضيف يعالج العرض قضية المسرح وماهيته ودوره في المجتمع في ذلك الزمن وما قمت به هو أنني أخذت هذا النص بطرحه الأساسي من حيث قضية المسرح ونقلته إلى الزمان والمكان الحاضرين من خلال عملية دراماتورجية معيدا صياغة هذا النص ليتناسب مع أسئلة التطورات والظروف التي شهدها المسرح السوري على صعيد العمل المسرحي.
وتابع حيدر النص الأصلي هو نص مونودراما مكتوب لممثل واحد بينما في العرض لدي هناك ممثلان فالنص الذي كتبه إخلاصي فيه حالة رثاء لوضع المسرح وما آل إليه أما في عرضنا الحالي فآثرت ألا أدخل في بكائية عن المسرح بقدر ما يهمني أن أدخل في عملية سجالية جدلية يمكن لها أن تولد لدى ذهن المتفرج للعرض أسئلة معينة حول تطوير هذا المجتمع الذي يشكل جمهور المسرح وعشاقه جزءا منه.
والعرض كما يرى مخرجه محاولة تفكيك للعملية المسرحية التي تحدث في سورية بسلبياتها ومشاكلها وأوجاعها عبر شخصيتين هما امرأة مهجرة من بيتها تلجأ لمسرح مهجور وشاب هو مدير منصة يأتي إلى هذا المسرح المهجور كي يجهز لإقامة فعالية يوم المسرح العالمي وهنا تحدث المفارقة بين الشخصيتين فمدير المنصة معبأ بكل الشعارات الكبيرة عن المسرح والثقافة وعندما تسأله الفتاة عن هذه الشعارات الثقافية نكتشف أن رجل المسرح هنا لا يملك إجابة عن معنى أقواله ولا يعرف الدور الحقيقي للمسرح اجتماعياً وفنياً.
وخلال العرض يتقدم سؤال نحو الواجهة عبر الحوار بين الشخصيتين هو هل هذا المسرح عبارة عن ملاذ أو ملجأ أم هو معمل قادر على التأثير والتطوير والتنوير وكل هذه المصطلحات التي قد تكون صحيحة أو قد تسقط في التجربة.
ومع تطور العملية الجدلية بين موظف المسرح والفتاة المهجرة يبين حيدر اننا نسقط على حوارات بسيطة لكنها حوارات عميقة ونشاهد الانكسارات التي تعاني منها كلتا الشخصيتين سواء الفتاة التي تعاني منها على الصعيد الاجتماعي والشاب على الصعيد الفكري والثقافي حيث يكتشف مدير المنصة أنه من الممكن انه خدع من كل الشعارات الثقافية التي تبناها بشكل تلقيني لنرى عملية تحول لدى كل من الشخصيتين ليصل كل من الشاب والفتاة إلى ماهيته وماهية هذا المسرح.
وأضاف حيدر أن البعض قد يعتبر هذا العرض نوعا من نقد للمسرح أو نقدا ذاتيا للمؤسسة المسرحية لكن نحن أولى بنقد أنفسنا كمسرحيين قبل أي أحد إذ يجب أن نرى أخطاءنا كمسرحيين إذا كان لدينا هم ثقافي حقيقي وجدي ولدينا إيمان أن هذه الثقافة بما فيها المسرح تستطيع أن تغير في تركيبة هذا المجتمع والذي هو
أمام سؤال وجودي اليوم عن تركيبته وهشاشة هذه التركيبة أو ضعفها وهل هناك هوية ثقافية توحده أم هي غير موجودة.
وعن حلوله الإخراجية للعرض قال حيدر ان الحامل الأساسي كان في “حدث في يوم المسرح” هو الممثل حيث اعتمدت على أدوات الممثل وقدرته التجسيدية جنباً إلى جنب مع التقنيات التي استخدمتها وحاولت توظيفها في العرض ولذلك عملت مع الممثلين آلاء مصري زادة وعمر عنتر على طريقة الارتجال حيث قرأنا النص مرة واحدة فقط ونحيناه جانباً وعملنا على تطوير الفكرة لنصل إلى النتائج التي نريدها عبر لغة بسيطة تعبر عن منطق الشخصيات بالاعتماد على الجدل والحوار الذي كنا نريد من خلاله أن نطرح أسئلة يحملها الجمهور معه بعد نهاية العرض.
وعن التقنيات التي اعتمدها حيدر بين فيها أن الديكور لم يكن غنياً لكنني استخدمت كل أرجاء المسرح بما فيها غرفة الكونترول والممرات بين مقاعد الجمهور إضافة إلى أنني عملت مع مصمم الإضاءة الفنان أدهم سفر على إضاءة عشوائية لكن هي في الوقت نفسه موظفة كون المكان مسرحا مهجورا كما وظفت شاشة وكاميرا مثبتة تبث مباشرة من الكونترول وجودها عبثي لكنها تعمل عن طريق المصادفة وذلك رغبة مني بكشف كل زوايا هذا المسرح إضافة لإظهار صور عبر هذه الشاشة لصور لرواد المسرح السوري من فواز الساجر وسعد الله ونوس ونهاد قلعي وممدوح عدوان .
يذكر أن عرض “حدث في يوم المسرح” من تأليف إخلاصي دراماتورجيا وإخراج المهند حيدر وتمثيل عمر عنتر و ألاء مصري زادة “مديرية المسارح والموسيقا المسرح التجريبي” المخرج المساعد مضر رمضان/ تصميم إضاءة وتقنيات بصرية أدهم سفر/ تصميم ديكور سامي حريب/ التأليف الموسيقي سمير كويفاتي/ تصميم أزياء وأعمال نحت ريم الماغوط/ تصميم البوستر والإعلان زهير العربي/ تصميم ماكياج هشام عرابي/ بروموشن جيهان قطيش/ فوتوغراف أيهم عباس/ تنفيذ إضاءة إياد عبد المجيد/ تنفيذ صوت شادي ريا/ مسؤول إكسسوار علي النوري/ مدير منصة هيثم مهاوش/ والعرض مستمر يومياً الساعة الخامسة مساء على مسرح القباني حتى الخامس والعشرين من كانون الأول الجاري .
سامر إسماعيل