الشريط الإخباري

قلعة الكهف بطرطوس..أثر حضاري يعود للعصور الوسطى

طرطوس-سانا

إلى الشمال الغربي من مدينة الشيخ بدر والجنوب الغربي من مدينة القدموس وعلى بعد 20 كيلومترا من كل منهما تتوضع قلعة الكهف فوق هضبة صخرية تأخذ شكلا طولانيا باتجاه شرق غرب من المتعذر الوصول اليها إلا من الجهة الشرقية وبصعوبة بسبب الوديان السحقية التي تحيط بها.

وتعتبر القلعة التي تمتد على مساحة 43396 متر مربعا بموقعها المحصن طبيعيا المركز بالنسبة لعدد من القلاع مثل القدموس والعليقة و الخوابي و مصياف و الرصافة و أبوقبيس ويرجح أن تسميتها تعود الى كثرة الكهوف في القلعة والهضاب المجاورة ولم يرد ذكرها في المصادر التاريخية القديمة لكن شواهدها المعمارية القائمة تشير إلى أنها تعود إلى بداية القرن الحادي عشر ميلادي.

ويوضح المهندس مروان حسن رئيس دائرة آثار طرطوس أن القلعة اتخذت من قبل حسن الصباح عاصمة له كزعيم للفرقة أو الحركة التي أسسها موضحا أن موقعها الحصين كان حافزا لداعي دعاة الفرقة في بلاد الشام الشيخ شهاب الدين أبو محمد الملقب “الفراسه” أن يجعل منها مقرا له كرئيس للفرقة ومركزا لتخريج الفدائيين المدربين على الفداء الذين كان لأعمالهم صداها في أرجاء العالم الإسلامي من الصين شرقا إلى الأندلس غربا.

6

وأضاف بان القلعة بقيت مركزا للفرقة حتى بعد وفاة الشيخ شهاب الدين عام 1162 وان سنان راشد الدين الملقب شيخ الجبل زاد من تدعيمها وتحصينها رغم انتقاله الى قلعة مصياف لأغراض استراتيجية إلا أنه أبقى على قلعة الكهف مركزا سريا رئيسيا له.

وأشار حسن إلى أن القلعة احتلت من قبل الصليبين عام 1128م إلا أن سيف الدين بن عمرون الدمشقي استعادها منهم عام1132م وما لبث أن باعها الى الشيخ شهاب الدين الفراسه ومنهم انتقلت الى الشيخ سنان راشد الدين كما ذكر.

وفي عام 1268 خضعت لسيطرة الظاهر بيبرس المملوكي وبعد خضوع المنطقة للحكم العثماني أبقى العثمانيون الزعامات المحلية في مراكزهم مقابل تأديتهم الضريبة السنوية الى الوالي ممثل السلطان في استنبول واستمرو حتى عام 1815م وهو تاريخ هجرها حتى الوقت الحاضر.

يبين الوصف المعماري حسب رئيس دائرة اثار طرطوس أن القلعة حاليا متهدمة ويلاحظ فيها بقايا سور محيط بها وثلاثة أبراج من جهة الشرق والغرب والجنوب لافتا إلى أن القلعة الأساسية محفورة بالصخر وتحتوي على آبار لتجميع مياه الأمطار كما انها كانت تتغذى بالمياه أيضا بواسطة قناة فخارية من عين تبعد عنها 2 كم باتجاه الشرق.

ويشير حسن الى أن القلعة بقيت بعيدة عن أي اهتمام من تاريخ هجرها عام 1815حتى قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف دائرة آثار طرطوس بالعمل منذ عام 2002 وكشف وتنظيف الطريق المؤدي الى القلعة بطول 250م تقريبا من البوابة الأولى المتهدمة وما قبل الى البوابة الثانية بعرض مابين 2- 4م كما تم كشف الحمام بعد إزالة الغطاء النباتي الكثيف موضحا أن الحمام يعود الى الفترة الإسلامية 572-1176 م و يتكون الحمام من البراني والوسطاني الأول والوسطاني الثاني والجواني والخزانات.

و بين انه تم الكشف عن البوابة الثانية للقلعة المحفورة بالصخر تعلوها كتابة إسلامية تحتاج الى دراسة لعدم وضوحها تؤدي إلى تجويف صخري مصنع على شكل غرفة قد تكون مقرا للمجموعات المكلفة بالحراسة و على ج درانها الداخلية الصخرية يوجد تزيينات قوسية كانت معدة للكتابة بالإضافة الى تزيينات على شكل أسهم وفجوات مربعة متناظرة من أجل إحكام إغلاق الباب و يسبق الباب وبالقرب منه والى اليسار حفر في الصخر كمحرس ينتهي من الأعلى بشكل قوسي تعلوه كتابة بأحرف لاتينية تحتاج للدراسة مشيرا إلى وجود بقايا كتابة عربية ضمن المحرس في الخلف وقد أزيلت بكاملها ولم يبق منها سوا حرف /ج/ بالعربية و يقابل البوابة الثانية من الجهة الغربية للغرفة بوابة محفورة بالصخر.

ولفت إلى أنه من خلال أعمال التنقيب تم الكشف عن الدرج المنحوت بالصخر بعد إزالة الردميات حتى ارتفاع 170سم في بعض النقاط وصولا الى البوابة الثالثة وهو مكون من قسمين الأول يأخذ اتجاه شرق غرب منحوت بالصخر بطول 18م وعدد درجاته 21 درجة وبعد هذه المسافة باتجاه الغرب تم رصف 17م والسبب في عملية الرصف عائد الى انخفاض الصخر الطبيعي عن المستوى المطلوب لتسهيل عملية الصعود موضحا ان القسم الثاني من الدرج المكمل للقسم الأول يأخذ اتجاه غرب مخصص لسير الخيل عليه طوله/36م/ وعدد درجاته 21 درجة يضيق أحيانا على جانب الدرج من اليمين وفي بدايته نقشت على الصخر آية الكرسي التي تعرضت أطرافها للتهشم.

وبين حسن أنه على يسار البوابة الثالثة كتابة إسلامية في وسطها شعار دائري الشكل ومنها يتم الوصول إلى سطح القلعة التي تحتوي على معالم أثرية كثيرة وكهوف منحوتة بالصخر وآبار مياه لافتا الى وجود جامع في الجهة الغربية من البوابة الرئيسية خارج القلعة تغطيه الأشجار الكثيفة.

وتم الكشف حسب حسن عن غرفة مبنية من الحجر الكلسي غير المشذب سقفها عقدي يتم الدخول إليها عن طريق بوابة قوسية مبنية من الحجر الكلسي المنحوت قائمة على ركائز ذات أفاريز تزيينية أرضيتها كانت مبلطة بالحجارة إلا أن يد التخريب امتدت اليها ولم يبق منها سوى بعض البلاطات جدارها الجنوبي يحتوي على فتحة قوسية مغلقة تشكل المحراب وعلى جانبيه فتحتان جانبيتان مغلقتان وفي أعلى المحراب قطعتان حجريتان بازلتيتان كانتا تستخدمان لتعليق الغطاء الذي يحجب المحراب مشيرا الى ان المواصفات المذكورة تشير الى أن للجامع ملحقات أخرى سيتم العمل على الكشف عنها في المواسم القادمة.

وخلال عمليات التنقيب الموسمي التي تقوم بها دائرة آثار طرطوس تم العثور على عدد من اللقى الأثرية في القلعة وهي حسب رئيس الدائرة ثلاث قطع نقدية برونزية إحداها بيزنطية بحاجة إلى دراسة عثر عليها في البراني و قطعة دائرية فضية مزخرفة الحواف بحاجة إلى دراسة ايضا و تاج عمود نقش عليه أربعة وجوه بشرية ذات ملامح مغولية وكل وجهان متقابلان متشابهان و تاج عمود يحمل زخارف هندسية قوسية وقطعتان من الحجر الكلسي القاسي تحمل نحت لبوابة قوسية بداخلها نقش لحيوان الفهد إحدى هاتين لقطعتين لا تزال في القلعة تعذر نقلها والثانية الأكثر وضوحا تم نقلها إلى متحف طرطوس اضافة إلى جزء من دمية فخارية لحيوان لم يبقى منه سوى الجذع.

وأضاف حسن أنه تم العثور أيضا على مجموعة من الكسر الفخارية ذات نقوش جميلة لمجموعة غلايين وكسر فخارية تعود لأواني فخارية وكسر زجاجية منها ما يعود لسقف الحمام القمرية وهو من النوع السميك الملون ومنها رقيق يعود لآنية زجاجية تعود للفترة الإسلامية مشيرا الى ان أعمال التنقيب في القلعة لمواسم متتالية تم الكشف من خلالها عن أبنية سكنية و مجموعة من الآبار والمعاصر وأرضية حجرية مبلطة وصهاريج لتخزين المياه اضافة الى كتابة اسلامية وقد تم العثور على مجموعة من الكثر الفخارية التي تحمل زخارف نباتية وهندسية بديعة جسدت بألوان مختلفة على أوان منزلية.

وختم بالإشارة إلى إن مجمل المعالم الظاهرة في القلعة تعود إلى الفترة الإسلامية ولكن في الحقيقة أن القلعة باعتقادنا تعود إلى فترة العصور الكلاسيكية لأن الدلائل الأثرية الموجودة في محيطها هي من الفترة الكلاسيكية في كل من قرية الزريقة و كاف الحمام و بسطريام الخ … لذا لا بد من أن تكون القلعة مسكونة خلال تلك الفترة وهذا ما ستؤكده معطيات أعمال التنقيب لاحقا.

غرام محمد

 

 

انظر ايضاً

قلعة الكهف… أيقونة من الجمال وحكاية للزمان نحتها التاريخ في الصخر

طرطوس-سانا قلعة الكهف أحد المواقع الأثرية البارزة في مدينة الشيخ بدر التابعة لمحافظة طرطوس والتي …