الشريط الإخباري

 “منطقة آمنة” أم قنبلة موقوتة؟!

 لا يمكن تأكيد التوصّل إلى توافق كامل بين الأمريكيين والأتراك حول “المنطقة الآمنة” المزعومة في شرق الجزيرة السورية، ولا يمكن نفيه كذلك، على الأقل حتى هذه اللحظة، فالتصريحات من كلا الجانبين تأتي في غالبيتها مطعّمة بالرغبات الأردوغانية الأبدية، والمتوهمة، حول حتمية تحصيل مكاسب ما – أية مكاسب، فالمهم أن يلتقط الصورة في صف المنتصرين.. المزعومين طبعاً!! – مع البقاء في أحضان “التحالف” الأطلسي – وإلى الأبد أيضاً – بصفته أنموذج الإسلامي الإخواني العتيد الذي أتمّ واجباته كاملة.. التصريحات جاءت، من الجهة المقابلة، متلوّنة بحرص طاقم التفاوض الترامبي، في الخارجية والبنتاغون، لإبقاء باب المساومات مفتوحاً إلى أجل غير مسمّى، وعلى الأقل إلى الوقت الذي تستقر فيه الإدارة الأمريكية على استراتيجية واضحة للتعامل مع الوضع في سورية، الأمر الذي لم ولن يحدث إطلاقاً.

سارعت المؤسسة العسكرية التركية للإعلان عن اتفاق حول “إنشاء مركز عمليات مشتركة في تركيا خلال أقرب وقت لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة”، وهي صيغة تترجم، في أحد معانيها، بأن ما جرى الاتفاق عليه قد لا يتعدّى التوافق على متابعة المحادثات، وعدم الاستعجال في إعلان فشلها، ولكنها صيغة قد تعني أيضاً الدخول في مرحلة المفاوضات التقنية، التي عادة ما تسبق أية تفاهمات أولية، أو اتفاقات بالأحرف الأولى. وما يمكن التأكيد عليه هنا، على أية حال، هو أن الجانبين التركي والأمريكي لا يزالان في موقف الحاجة إلى مُهل، أو إلى أوقات إضافية، وأنهما يدركان أنه لا يمكن التفرّد بقرارات من جانب واحد في ظل الصراع الدولي القائم فعلاً في سورية وعليها، وأن مثل هكذا خطوات محكومة مسبقاً بالفشل، ولن تكتب لها الاستمرارية، علاوة على أن الطرفين الأمريكي والتركي يتصرّفان انطلاقاً من مدونة سلوك سياسية تتعامى عن الحقائق والوقائع الميدانية، وترفض أدنى اعتراف بها، بحيث تبدو سياساتهما وكأنها مونولوج داخلي أو مناجاة ذاتية عبثية لا تنطوي على أية أهمية فعلية، ولا يمكن أخذها على محمل الجد، ولكنها قد تكون محمّلة بأفدح المخاطر ومنذرة بأوخم العواقب كونها تنهض أساساً على الشعور بالعجز والإحباط والفشل.

ببساطة، يعود أردوغان إلى لعبة الأواني المستطرقة الشهيرة، والتي لطالما أدارها، بين استراتيجيات متصارعة يحاول العمل – هو – على خدمتها مجتمعة: هو يريد “الشراكة” مع بوتين ولكنه يجهد لإفراغ مخرجات “أستانا 13” من مضمونها، بعد أيام من توقيعه عليها، وهو يستميت في تحريك حمية الناتو والعزف على حبال الود الترامبية، ولكنه يريد منه إطلاق يديه في التعامل مع الربيب الأمريكي الفتي في سورية.. ما يسمى عناصر “قوات الحماية”، أو “الأشايس”، أو “قسد”، الذين يحاولون اقتطاع أجزاء من الوطن السوري تحت يافطات انفصالية، وهم ليسوا بانفصاليين، بل مستوطنين غرباء يجدّدون روح الصهيونية في الشرق الأوسط، ولن يكون مصيرهم على غير شاكلتها.

يخطئ هؤلاء العابرون والسذج في تقدير غضب الوطنية السورية التي تجذّرت عميقاً خلال قرن من المواجهات والتحديات والمحن.. يتصرّفون كـ “لص الغفلة” الذي يصدّق أنه يمكن أن يحتفظ بالسرقة، فالجيش السوري يستكمل مهمته في تحرير إدلب، ويحقق انتصارات كاسحة ومتسارعة، وليس أمام أردوغان إلا ممارسة هذا النوع من البهلوانيات التي لن تعفيه من بطش القدر عندما تحين القيامة السورية الآتية لا محالة بوعد إلهي، ولن يكون أمام الأمريكان إلا الهرب على عجل، وتحت جنح الظلام، كما كان الحال في فيتنام وأفغانستان والعراق، بعد التشدّق بانتصارات كاذبة، ولن تكون المنطقة الآمنة الموعودة إلا قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه الأجنبي، أما أولئك الخونة الذين يمنحون أنفسهم حق التصرّف بالحقوق والأرض والسيادة، ويتنطّعون للحديث باسمه، فالشعب السوري لن يلفظهم ويلعنهم وحسب، بل وستنكرهم الأرض التي يقفون عليها.. فإدلب قريباً إلى الحرية، والرقة لن تكون إلا في القلب من سورية، وعنواناً لشموخها ووطنيتها وعروبتها.

بسام هاشم