جاءت العملية الفدائية الفلسطينية في القدس المحتلة، كرد فعل طبيعي على تمادي الاحتلال، وإيغاله في دم الشعب الفلسطيني، واستهداف مقدساته، كما أنها تحمل في طياتها أبعاداً وطنية وسياسية، تؤكد حيوية الشعب الفلسطيني، وقدرته على تخطي ظروف القهر والقمع الإسرائيليين، في ظل التخلي الدولي شبه الكامل عن القضية الفلسطينية، والصمت العربي المتواطئ من بعض الحكام العرب، الذين يتآمرون على سورية وفلسطين.
ما يعني أن مرحلة جديدة من النضال الفلسطيني، يسانده كل الشرفاء من أبناء الأمة، قد بدأت لتصحيح البوصلة وتوجيهها نحو العدو الأساسي للعرب، الذي سلب الأرض وانتهك الحرمات ومارس عملية ترانسفير ممنهجة ضد شعب أعزل، تُرك خلال عقود من الزمن رهينة القتل والتنكيل والاعتقال والتشريد، و”العالم المتحضر” صامت، ويأخذ دور المتفرج على مأساة شعب تعرض لاحتلال لم يشهد التاريخ له مثيلاً.
لقد أثبت أهلنا في الأراضي العربية المحتلة خلال الأسابيع القليلة الماضية، ومن خلال استهدافهم الصهاينة، من الرشق بالحجارة إلى استخدام المولوتوف ومن ثمّ الدهس بالسيارات والطعن بالسكاكين، أنه مهما اشتدت النوائب والمحن، وبلغ الحصار، فإنه لن يسمح للصهاينة بالعيش في أمان، وأن المقدسيين لا يقيمون وزناً للتهديدات والضغوطات الصهيونية، ولا يعترفون بحدود وأمن المستوطنات، كما أثبتوا تمسكهم بالفعل المقاوم، والراسخ في العقول والأفئدة كطريق وحيد لاسترجاع الحقوق السليبة، وقدرتهم على استنباط أساليب جديدة له، لأن العدو لا يفهم إلا لغة القوة.
عملية القدس تبعث برسائل للداخل الفلسطيني وللعرب والعالم في الخارج، فهي فرصة لتوحيد كلمة الفلسطينيين، ورص الصفوف لمواجهة الاحتلال. وقد أثبتت تصريحات قادة الفصائل أمس أنها مع توحيد البندقية، ونبذ الخلافات السياسية، وهي رسالة للعرب جميعاً كي تكون بوصلتهم فلسطين وتحرير القدس، والأرض الفلسطينية قضيتهم المركزية، فالعدو ومن خلال مشاريع الفوضى الهدامة تحت مسمى “ربيع عربي” يستهدف الأمة، ما يحتم على كل العرب أنظمة وشعوباً أن تتضامن مع النضال الفلسطيني المقاوم بمختلف أشكاله، ففي هذه المرحلة الحساسة لا يقف على الحياد إلا التكفيريون، أدوات المشروع الصهيوأمريكي في منطقتنا، وأخيراً هي بمثابة إنذار إلى المجتمع الدولي للضغط على أمريكا وربيبتها إسرائيل لوقف العبث بأمن العرب وإعادة الحقوق لأصحابها.
بعبارة أخرى فإن الظروف الموضوعية لانطلاق انتفاضة فلسطينية جديدة، بدأت تلوح في الأفق، وإن رفع راية المقاومة في عصر الاستسلام و”الدواعش”، هي التي تعبّر عن حقيقة شعبنا من المحيط إلى الخليج، مهما حاولوا إشغاله بقضايا وزجوا به في فتن تبعده عن أهدافه الوطنية والقومية الحقيقية.
حكومة الاحتلال، والتي وجدت في انشغال محور المقاومة، وعلى رأسه سورية بمواجهة التكفيريين فرصة لطمس ما تبقى من ملامح فلسطين، فسرّعت من وتيرة الاستيطان والتهويد، وواصلت عمليات الحفر تحت المسجد الأقصى لتدميره، وشنت مؤخراً حرباً دمّرت خلالها البشر والحجر في غزة، ظنت أنها استطاعت إحباط الشعب الفلسطيني، وكسر إرادة مقاومته، فإذا بهذا الشعب الأبي يلقنها درساً لن تنساه، ويفاجئها بضربة موجعة صدمتها وأرعبتها وأربكتها، مؤكداً من جديد أن مقاومته فعل متجذر وحي لن يتوقف ، وأنه لن يتنازل عن حقه في الدفاع عن وجوده وبقائه في أرضه المقدسة، مهما فعلت وأمعنت في القتل والتدمير، والهدم والتشريد، ذلك أنه عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الوطن والهوية والكرامة والمقدسات، فإن العين تستطيع أن تقاوم المخرز.
بقلم: عماد سالم