مرة أخرى .. الإرهاب المسكوت عنه

يميط الإعلام الغربي بالتدريج جزءاً من الستارة المسدلة على فائض النفاق الغربي، ويلح -ولو على استحياء- في الحديث عن الإرهاب المسكوت عنه أوروبياً، وتحديداً بمصدره الخليجي ودور المشيخات الواضح للعيان في دعم التنظيمات الإرهابية وتمويلها.

وهو لا يرتبط بالضرورة بما طفا على السطح من أحاديث لمسؤولين غربيين تتهم بالاسم دولاً وأشخاصاً، وسرعان ما تُسحب من التداول بعد أن تصطحب باعتذار أو من دون اعتذار، بقدر ما يأتي في سياق متغيرات طرأت على مقاربات الصحافة الغربية وعلى صدر صفحاتها الأولى عن دور المشيخات في تفشي الإرهاب.‏

اللافت أن الحملة الإعلامية المتصاعدة لا تنطلق من فراغ، ولا هي خارج سياق التفكير الأوروبي بحكم مرجعية الإعلام الغربي وما يمثله من لوبيات أو مجموعات ضغط في الداخل الغربي، وإن ترافقت بدوي من التصريحات الرنانة، التي يتبارى كل من هولاند وكاميرون، حيث يصفق الأخير لقانون مشيخة قطر لمكافحة الإرهاب!! فيما الأول يشيد بصلابة أردوغان في دعم الإرهاب.‏

ما فتح النقاش ليس زيارة هنا أو هناك ولا هي ردة فعل على مواقف سياسية بريطانية -مثلاً- غالت في كيل المديح لمشيخة قطر التي باتت تشكل للقاصي والداني حجر الرحى في قاعدة دعم الإرهاب وصولاً إلى مخرجات لاحقة، تتناوب فيها بقية المشيخات أدوارها مع تركيا بنسختها العثمانية الجديدة.‏

في المبدأ، لا يشكل الحديث في الإعلام الغربي مجرد مؤشر على حالة افتراق بين لوبيات الإعلام وتلك المشيخات بقدر ما يعكس مشهداً قابلاً للتكرار دون أن يحدث أي انعطافة حقيقية في الموقف الغربي، بدليل أن المسألة لا تتعلق بالحديث عن معلومات أو الإفراج عن حقائق لا يدركها الجميع، بل بحقائق مسكوت عنها وبجملة من الأدلة والقرائن على أن المشهد برمته يتحرك بدافع الخوف والهلع من مضاعفات السكوت الغربي عن إرهاب المشيخات عموماً والقطرية منها تحديداً.‏

فالصفقات المشبوهة التي أنتجتها تلك المشيخات مع المسؤولين الغربيين بعد كل فصل من فصول النفاق الغربي لم تعد شاملة لمستويات المصالح في الداخل الغربي، بقدر ما مثلت سلوكاً شخصياً تفوح رائحة الفساد فيه وتلاحق من سبقهم، وجاءت التداعيات الناتجة عن تفشي الإرهاب وتلمس مخاطر نفوذه داخل المجتمعات الغربية إلى تحريك الأوراق، حيث إن ما تعرفه الديلي ميرور لا يختلف عما تمتلكه الغارديان والفارق الوحيد ان الجبهة المفتوحة تقف خلفها لوبيات المصالح التي تضاربت فيما بينها ودفعت إلى إظهار ما تخفيه.‏

والأمر ينسحب على الاتهامات المسحوبة، لأن ما صرح به بايدن هو منتج رؤية سياسية تتشارك فيها الإدارة الأميركية بمستوياتها المختلفة، وما صرح به وزير الخارجية الألماني عن علاقة قطر بالتنظيمات الإرهابية لا يعكس موقفاً شخصياً بقدر ما يترجم إقراراً بواقع زل اللسان الألماني في النطق به، ولو اقتضى ذلك اعتذاراً أيضاً.‏

الفارق اليوم أن الحملة تدشنها كبريات الصحف الغربية، وتأتي بالتزامن مع هزلية المواقف الغربية من الإرهاب في ظل مناخ من المغالاة والادعاء الأجوف وصولاً إلى تسويق حالة من الاستلاب يقارنها البعض بمثيلتها الأميركية عقب أحداث الحادي عشر من أيلول، حين مارست تعميتها على الحقيقة مقابل النفير العام في كل أنحاء العالم، وظل الإرهاب المسكوت عنه يسرح في أعشاش المشيخات ومواطن الدعم الغربي.‏

الأخطر في سياق التحولات الأخيرة أن تكون الحملة الإعلامية مجرد وجهة نظر في سياق تحولات كبرى يشهدها العالم، وتقودها أميركا بالتوازي مع وكلائها في المنطقة وخارجها لتبييض صفحة التنظيمات الإرهابية، وتنظيف سجل الداعمين لها من مشيخات ودول وظيفية أخرى في مقدمتها تركيا، فيما تشكل الحملة الإعلامية مجرد غطاء سياسي للمحاججة أمام شهود زور على الحقيقة، يتم الترويج لهم وتحضير المناخات لإعادة إطلاقهم.‏

رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة .. لكن أن تكون في الاتجاه الصحيح ،وحتى اللحظة ليس هناك ما يشي بأنها كذلك اليوم ولا غدا، فالإرهاب المسكوت عنه مستمر، والإرهابيون الحقيقيون يُستقبَلون في العواصم الغربية كفاتحين لزمن قادم أو بعد القادم !!‏

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

الثورة يحرز المركز الثاني بالدورة العربية للأندية للسيدات بكرة السلة

أبو ظبي-سانا أحرز نادي الثورة المركز الثاني في دورة الألعاب العربية للأندية للسيدات بكرة السلة …