الشريط الإخباري

لولا حلب لكان الشرق لاتينياً-صحيقة تشرين

مساء الثاني والعشرين من  كانون الأول  لعام 2016 جاء البيان العسكري الآتي:
«بفضل دماء شهدائنا الأبرار، وبطولات وتضحيات القوّات المسلّحة الباسلة والقوات الرديفة والحليفة، وصمود شعبنا الأبيّ، تعلن القيادة العامة للجيش والقوات المسلّحة عودة الأمن والأمان إلى مدينة حلب بعد تحريرها من الإرهاب والإرهابيين، وخروج من تبقى منهم من المدينة الواقعة في شمال سورية..».

بيان كان له الوقع الأبلغ على قلوب السوريين، بينما كان الصفعة الأقوى لمعتنقي المشروع الغربي وسيلة أو حتى أيديولوجية وتفكيراً، فالبيان لم يكن فقط تحولاً استراتيجياً ومنعطفاً مهماً في الحرب على الإرهاب، وضربة قاصمة للمشروع العدواني الإرهابي ولداعميه، بل حقق تفوقاً لنظرية (إرادة الشعوب) على كل النظريات السياسية، حيث من سورية كانت الغلبة على كل الدراسات النظرية للعلاقات السياسية والدولية، والتخطيطات الممنهجة الاستعمارية والعدوانية التي لم تأخذ في الحسبان لسان حال الشعوب الرافضة للاستسلام والهوان والتبعية.

من سورية، دقّت الساعة بتوقيت حلب، ليكون التطور الأهمّ في الساحة السياسية، ولتكون النقلة النوعية في الميدان الذي لفظ من ساعته آخر الدقائق الطامحة لتحقيق أجندة الأوغاد، وليكون عداد القادم من أيام تحركه إرادة الدولة السورية التي دحرت التنظيمات الإرهابية، ولوت أيدي القوى العظمى المشغّلة للأدوات الإرهابية.

في حلب الشهباء كان النصر بلغة ملؤها الثقة، تحاكي زهوَ وغرور المتنبي، ويحاكي قلعتها الغرّاء الصامدة بقدرة أصلاء اعتنقوا الشموخ والإباء، وصدّروا من بواباتها التسع أولى النشرات والمطبوعات، لتكون حلب أول مدينة تعرف الطباعة بالحروف العربية، وفيما كانت شهرتها اقتصادية لكن حصانتها وقوّتها الدفاعية جعلتا لاسمها حصة الأسد في الكتب التاريخية، ولتستحق، وبجدارة، توصيف المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي «لولا حلب لكان الشرق لاتينياً».

ورغم أن العقل الاستعماري والعقلية السياسية المحرّكة للساحة العالمية دائمة التأهب لتحقيق المخططات، ورغم الحضور الواضح من دون تضليل، مادامت ماهية الأعمال والمصالح تحركها أدوات ماعادت بالخفية في عصر القوي الذي يضع قواعد اللعبة بإمكانية وجود زمانية ومكانية آنية، لتحقيق الوصول للغايات ومكامن النظريات وتنظيرات العلوم السياسية، لكن فشلها كان حتمياً في سورية، رغم كل الإمكانات الطموحة، ومساعدة الأعوان والعملاء ومدّهم بالسلاح والعتاد والمال والقوى البشرية المتأهبة لاستعراض الوجود ككيان جاهز لسدّ أيّ فراغ واستعراض.

واليوم، وبعد عامين من انتصار حلب، تحتفل سورية بالنصر والتحرير من سيطرة إرهابيين وجماعات مسلحة مسيّسة عاثت خراباً ودماراً وقتلاً خدمة لقوى الشرّ العالمية.

حلب لن تكون أهمية انتصارها تكمن فقط في ثقلها الاقتصادي الذي سينعش جسد الدولة السورية، ولا في كونها الانطلاقة لعملية سياسية تؤطّر خريطة المواجهة العسكرية، لكون حلب باتت المحور الرئيس الذي يرسم إما الخطوط العريضة لموازين قوى جديدة تنتج تسوية تليق بالدولة السورية، أو إنها تحدّد الوجهة الميدانية المقبلة للجيش العربي السوري، بل لأن أسوار قلعتها استطاعت التأكيد على مثابرتها في صدّ الاعتداءات الإرهابية، لتكون بحقّ الرمز الذي يمكن إسقاطه على كل المدن السورية التي ستكون ما بعد الانتصار أقوى مما قبل، وستنهض بجهود حكومية مضاعفة، وبتوجيهات خاصة من القيادة السورية لتكريس نصر مؤزّر على الإرهاب كأنموذج يقتدى به، وتحقيق نهضة موعودة في جميع المجالات، ولتتبوأ حلب، التي كانت قبل الحرب قاطرة الاقتصاد السوري وحاضرة المنطقة، مكانتها المعهودة، ولينبض منها الاستثمار الذي يتناغم مع نبض الحياة للشعب في سورية الأبية.

بقلم: محمد البيرق