القهوة.. المشروب الذي فتن الدمشقيين وبنوا له المقاهي

دمشق-سانا

كانت دمشق من أوائل المدن التي عرفت القهوة وذلك في القرن العاشر الهجري عن طريق مبتكرها أبو بكر العيدروس وكان أحد شيوخ الطريقة الصوفية وأمضى في دمشق مدة جلب معه بعض القهوة وكان يسقيها لمريديه وزواره بحسب ما قال باحثون ومن بينهم العلامة محمد كرد علي.

هذا السبق التاريخي لدمشق يفسر ارتباط هذا المشروب مع أبناء المدينة الذين ظلوا يعتبرونه الخيار الأول لإكرام الضيوف والأصدقاء وأنيس جلسات السهر والسمر وهواة القراءة الذين لا تكتمل طقوس اعتكافهم مع الحروف إلا بها.

ويبين الباحث محمود مفلح البكر أن القهوة كنبات كانت معروفة ولا سيما عند العلماء حيث كتب عنها أبو بكر الرازي بكتابه الحاوي والشيخ الرئيس ابن سينا في كتابه القانون.

وحول ارتباط شراب القهوة بدمشق يؤكد البكر أن الدراسات التاريخية تحدثت عن ظهور أنماط من الفعاليات الاجتماعية المرتبطة بشرب القهوة في دمشق قبل ظهورها في أوروبا حيث أسست في النصف الأول من القرن الـ 16 الميلادي محلات عامة تجارية لخدمة شرب القهوة ويرجح أن ظهور المقاهي في دمشق كان في النصف الأول من ذلك القرن.

ويذكر البكر أن العديد من المؤرخين تحدثوا عن وجود المقاهي بكثرة في دمشق في محلة السويقة.

وتدل وثيقة تاريخية بحسب البكر على أنه كان بدمشق ثلاثة مقاه منها بيت القهوة الأول في سوق العمارة والذي لا يزال موجوداً والثاني في سوق السنانية بينما أنشئء الثالث في خان عيون التجار الذي كانت تقصده القوافل لأهميته التجارية لأنه يقع على مفترق الطريق القادم من دمشق إلى القدس جنوباً ومصر غرباً.

ويشرح البكر مساهمة هذه المقاهي والممارسات الاجتماعية المتعلقة بشرب القهوة بانصهار الفوارق الطبقية في المجتمع الدمشقي حينها بعد أن أصبحت الشرائح الاجتماعية تجتمع على شرب القهوة خارج إطار التمييز ضمن خليط لا يميز بين الأعيان والعامة.

وحسب رسالة للشيخ جمال الدين القاسمي 1866-1914 فإن ظاهرة المقاهي في دمشق كانت جزءا متمما للمنظر الاجتماعي للمدينة منذ منتصف القرن الـ 16 موضحا أن بعض المقاهي كانت تفتح أبوابها لكل الناس دون تمييز بينما كان لمقاه أخرى زبائن أكثر تخصصا حسب حرفهم.

وكانت المقاهي بحسب القاسمي مكانا للنقاش حول الأخبار اليومية وأحداث الساعة وتسالي الألعاب وسماع الموسيقيين والقاصين الشعبيين.

عدد المقاهي الكبير في دمشق وتنوعها بين المتواضع والفخم لفت انتباه الرحالة الأوروبيين حيث وصف جان دو تيفانو تصميم المقاهي الدمشقية الكبرى بداية القرن الـ 18 وما تحتويه من فناء داخلي ونبع ماء في الوسط والأشجار التي تظلل المكان.

وتجمع المصادر التاريخية أن عدد المقاهي في دمشق بالربع الأخير من القرن الـ 19 تراوح بين 110 و120 مقهى منها مقهى السكرية والقماحين اللذين يقعان في باب الجابية ومقهى العصرونية والرطل في باب توما وجاويش في القيمرية وغيرها الكثير.

ميس العاني

 

انظر ايضاً

خلافاً للتوقعات.. إليك ما تفعله القهوة بجهاز الهضم!

بازل-سانا نشرت مجلة علمية دراسة شاملة جديدة أكدت نتائجها أن أحد أكثر المشروبات المنتشرة في …