الناخب التونسي يعاقب «النهضة»

أظهرت النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التونسية فوز حزب نداء تونس بالمركز الأول، بتقدم ملحوظ، على خصمه حزب النهضة الذي جاء في المركز الثاني. هزيمة النهضة لم تكن مفاجئة، فقد توقعتها استطلاعات الرأي. لكن نداء تونس هزمها بفارق أكبر مما توقعته الاستطلاعات، فكانت الهزيمة قاسية، وكان يمكن أن تكون أقسى بكثير لولا تراجع نسبة الإقبال على التصويت عمّا كانت عليه في انتخابات المجلس التأسيسي عام 2011، والتي فازت بها وقتذاك حركة النهضة، ولولا أن الحركة قد استفادت من المدة التي أعقبت خروجها من الحكم في كانون الثاني 2014، للعمل على إنقاذ ماأمكن من شعبيتها المتدهورة جراء الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها حكومة الترويكا بزعامتها.

ومن الواضح أن النهضة خسرت الجمهور الذي مكّنها من الفوز في انتخابات المجلس التأسيسي، وأن الذين صوتوا لها في الانتخابات التشريعية الحالية هم أعضاؤها المنخرطون تنظيمياً في صفوفها. أما حليفاها السابقان في الترويكا حزب المؤتمر برئاسة الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي، وحزب التكتل برئاسة مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي، فقد سقطا في الانتخابات سقوطاً مريعاً، ولم يعد لهما وزن يذكر في الخارطة البرلمانية والسياسية الجديدة.

أسباب الهزيمة التي لحقت بشركاء الأمس في حكومة الترويكا التي اضطرها ضغط المعارضة للتنازل عن الحكم لصالح حكومة التكنوقراط الحالية برئاسة مهدي جمعة، أسباب عديدة، فعلى الصعيد الداخلي تبخرت كل الوعود الانتخابية التي أغدقتها النهضة وشريكاها على المواطنين. وترافق تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد بتدهور أمني خطير سبّبه الإرهاب الذي وجد في خطاب النهضة وفي سياسة حكومة الترويكا المهادِنة فرصة سانحة للظهور والنشاط. وعلى الصعيد الخارجي خرجت تلك الحكومة عن تقاليد السياسة التونسية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام الشرعية الدولية، واتخذت مواقف أثارت الكثير من السخط الشعبي، ولاسيما موقفها من الأزمة السورية الذي أكد حقيقة ارتهانها لبعض القوى الإقليمية والدولية.

وإذا كان هذا الأداء الكارثي قد أحبط جزءاً من جماهير الشعب التي يحق لها التصويت، وأفقدها الثقة في إمكانية التغيير، ودفعها الى العزوف عن السياسة عموماً والانتخابات بشكل خاص، فمن حسن الحظ أن الجزء الآخر قد أبى إلاّ أن يعاقب النهضة عقاباً صارماً عبر صندوق الاقتراع، وأن يقول لها إنه لن يسمح لأية قوى سياسية بأن تجهض تطلعاته الوطنية والقومية والديمقراطية، ولا بأن تنقلب على نموذجه المجتمعي وخياراته الثقافية التقدمية.

وبهذا المعنى يمكن القول إن النهضة قد لقيت ماتستحق. لكن يمكن القول أيضاً إن تجربتها في الحكم على الرغم من كل ماألحقته بالبلاد والعباد من أضرار، كانت تجربة مفيدة لتونس. فقد مكّنت شعبها من معرفة حقيقة الإسلام السياسي التي كانت تختفي قبل تلك التجربة وراء هالة خلاصية مثالية جذابة. وما قالته نتائج الانتخابات التشريعية بكل وضوح هو أن الإسلام السياسي ليس مؤهلاً للحكم ليس بسبب نقص الخبرة والكفاءة فقط، بل لأن مشروعه الإيديولوجي يتناقض بنيوياً مع الدولة الوطنية الديمقراطية، هذا المشروع الذي كاد يودي بتونس لولا يقظة شعبها، وحيوية قواها السياسية والنقابية الوطنية التي عرفت كيف تحمي دولتها المدنية وتذود عن قيمها الحداثية ومكاسبها الاجتماعية.

بقلم: محمد كنايسي