الشريط الإخباري

صقيع التفاهمات العالمية..!!-صحيفة الثورة

تشي سلسلة الانسحابات الأميركية من المعاهدات الدولية الثنائية منها والمتعددة الأطراف بملامسة الصقيع السياسي العالمي مختلف التفاهمات القائمة، وتنحو باتجاه «التبشير» بالكثير من المتغيرات في العلاقات الدولية، وتخطّ رسائل تزيد من تلبُّد الأجواء الصاخبة في المناخ الدولي على وقع القواعد التي ترسيها في ظل نظام عالمي بدأ يتململ من السطوة الأميركية، ويبدي الكثير من مظاهر الممانعة الجادة للهيمنة الأحادية التي لا تزال تراهن عليها الإدارة الأميركية لفرض معاييرها على المشهد العالمي.‏

فالانسحابات السابقة على خطورتها كانت تراعي في الحدِّ الأدنى الصيغ القابلة للعودة إليها، واتسمت على ضوء ذلك بحدود السقوف التي كان يعتقد أنها الخط الفاصل بين المسموح والمحظور في العلاقات الدولية، لكن التلويح الأميركي بالانسحاب من معاهدة الحدّ من الأسلحة النووية والتصريح الذي أعقب ذلك، يحمل في طيّاته تجاوزات يصعب التكهن بنتائجها، ولتبدو التحذيرات الروسية من العودة إلى التفكير بالخطر النووي في سياقها الطبيعي، وأنه لم يعد خياراً مستبعداً في ظل الكثير من الهواجس المقلقلة التي تعيد العالم إلى حافة مواجهة مفتوحة، تتساوى فيها الاحتمالات المرعبة، وتتقاطع على المنحى ذاته الخيارات الصعبة التي تضيف إلى الهواجس القائمة لائحة لا تكاد تنتهي من السيناريوهات التي تعيد العالم إلى أجواء التجاذبات التي أملتها طقوس الحرب الباردة في مفازاتها الساخنة.‏

الفارق أن تلك التجاذبات لا تكتفي بما تثيره من أسئلة تبدو الإجابة عنها ضرباً من المستحيل، بل تفتح الباب على مصراعيه أمام التغوُّل الأميركي الذي يكتسح كل ما تمكنت الجهود الدولية من تحقيقه على مدى عقود خلت، لتعيد العالم برمته إلى نقطة الصفر النووي التي كانت قد تجاوزتها الحسابات والمعادلات، وراحت تبني على ما بعدها، حيث الحديث النووي كان بعيداً عن أيّ تفكير، والانسحاب الأميركي المحتمل من المعاهدة النووية يعيد وضعه في قائمة الخيارات المفتوحة، تمهيداً لجولة جديدة من سباق التسلح الذي دفعت البشرية ثمناً باهظاً ومكلفاً لتداعياته الخطيرة.‏

في الخلفيات التي ترسم جزءاً متواضعاً من الأسباب الموجبة التي تحاول من خلالها الإدارة الأميركية أن تبرر قرارها، تبدو مروحة الحسابات والمعادلات القائمة جزءاً من سياسة التمسك بالأحادية القطبية ومحاولة رفض الأمر الواقع الذي رسخته سنوات المواجهة الصامتة بين أميركا ومناهضي هيمنتها العالمية على مستوى القوى الكبرى، بينما لا تزال القناعات لدى الرؤوس الحامية داخل جدران الإدارة الأميركية، ترفض تصديق أن تلك الأحادية في طريقها لتصبح أثراً بعد عين، وباتت من الماضي أكثر مما هي تعكس الواقع، والعودة إلى النبش بدفاترها القديمة لن يوصل إلا إلى المزيد من التصعيد والتسخين في العلاقات الدولية والعودة إلى المواجهة بمعايير تعيد للأميركي بعض النقاط التي خسرها على بساط المواجهة الدولية، وزيارة بولتون العاجلة تحمل في طياتها الرسم الأميركي المنتظر للسيناريوهات الأكثر تطرفاً في حدود الفهم الذي تقدمه شخصية بولتون والمقاربة التي يتبناها.‏

فالقرار الأميركي إذا ما قدِّر له أن يرى النور، فإنه يفسح في المجال أمام استنتاجات من الصعب تجاهلها، وإن كان ينطوي على رعونة تشبه السياسة الأميركية الحالية، وتتطابق مع نهج الإدارة القائمة على فرضية إعادة إخضاع العالم للمنطق الأميركي وتعرجاته الرعناء، والأخطر أنه يقود إلى التعبير عن الإفلاس السياسي وحافته التي تستدرج العالم إلى تراجيديا مواجهة مفتوحة، لن تضمن للأميركي العودة إلى الاستفراد بالعالم، لكنها في الوقت ذاته لا تستبعد من فرضياتها إعادة العلاقات الدولية إلى حقبة الصقيع السياسي التي تكون فيها تفاهمات الحد الأدنى لغةً لا مكان لها في سطور العلاقات الدولية.‏

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

ما وراء طرح دولة منزوعة السلاح ..؟ بقلم: ديب حسن

أخفق العدوان الصهيوني في غزة وعرى الكيان العنصري أمام العالم كله، ومعه الغرب الذي يضخ …